1. هكذا جرت الأمور
[في اليوم الموالي]


قبل أن أنام،
أخذت ورقة.
طويتها على هيئة قارب.
وكتبت: «بحر».
ثم نمت.
لم يحدث شيء.
ولكن، في جوف النوم، تحرك السرير.
وإذا بي في قارب.
الحيتان تملأ الغرفة.
والموج أمام النافذة.
هنيهة، وأمحو ما كتبت.
سأقلب القارب.
طلع النهار.

«اَلْمُسْتَذْئِبُ» نقش لمجهول يعود إلى القرن 18


2. كذئب منفرد
أنا أيضاً،
سوف أقتدي بالتوراة
وأكتب عن موتي قبل حدوثه.
انتظروا موتي.

انتظروا أن ينشق البحر،
فلا تظهر أي جزيرة، ولا حتى أي قافية.
ولكن، أسلاك شائكة بين المد والجزر،
في أقل من ثانية.

مهما يكن:
لن أموت وأنا نائم.
ولن أخبر أحداً سواي.
أنا سواي.

قبل أن أموت،
سوف أهدم جميع البيوت،
سوى بيت واحد:
لغتي.

منفرداً عشت.
ومنفرداً أموت.
بلا مزايا، وبلا نعوت.
أنا الذئب الأخير.

3. طوبى للفراشات
أخيراً،
وجدت الحل.
صرت لا أخرج للصيد بالنهار.
أنام بالنهار.
وأصيد بالليل.
في الليل:
اللغة سلوقي يركض،
في كل اتّجاه،
أمامي.
العش الوحيد أنا.
والحظ السعيد، حيثما صوبت، عند أقدامي.
كيف أتقيه وما أكثر الفخاخ،
والنسور،
والطرائد؟

4. حمام شمس، طوال الليل
لا بحر في فاس.
البحر في عيون امرأة أحبها.
وأحب أن يكون اسمها ها هنا: تسليت.
يا للعباب:
زجاج،
وكبريت!
ويا للشواطئ!
يا لها حين أغمس قدمي في ليل الدواة.
وأجري حافياً
فوق الحصى،
والقواقع،
والقشور،
والقناني!

لا لشيء،
فقط كي يزول الفرق بين الألفاظ
والمعاني

يا بحر!
ما الألفاظ، وما المعاني؟
ما الدهور، وما الثواني؟
ما أنت؟
ما تسليت؟
وما أنا؟

يا بحر!
لماذا إلى حد الآن: أنت هنالك.
وأنا هاهنا:
بين بين؟
الرمل ثمل
والزبد يقدم خطوة،
ويؤخر خطوتين.

5. قبر من أجل لا أحد
«A voir ce que l’on fut sur terre/ et ce qu’on laisse/ Seul le silence est grand;/ tout le reste est faiblesse.» Alfred de Vigny

منذ سنوات بعيدة
وأنا أتردّد،
كل صباح،
على مقبرة فرعونية اخترت أن يكون لي
أكثر من قبر
فيها.

ثم
- بالصدفة، هذا الصباح -
اعترضني،
في أرض خلاء،
قبر ضيق،
ولكن،
ما يزال شاغراً.
لا تحرسه نسور، ولا ثعالب.
كالطلل البالي، ليس فوقه لا نقوش،
ولا بعر آرام.
وليس من حوله شيء،
ما عدا حطام كاس.
ونسر يحلق فوق الحطام.
ثم شاهدة
- كالصليب
كلّما حركت سبابتي سقط الصليب،
ونحت الغبار فوق الشاهدة:
ها هنا
يرقد جثمان شاعر مجهول.
قبر آخر في انتظاره.

كان هذا منذ سنوات بعيدة،
ثم ظهر،
بعد فحص الحمض النووي،
ما يلي:
الأرواح بطاريات.
والأجساد قطع غيار.
والدليل أن الشاعر المجهول ها هنا قد يكون هو: محمد بنطلحة،
وقد يكون هو طرفة بن العبد،
أو صلاح فائق،
أو خورخي بورخيص،
أو
- كذلك،
- لوفرة الاحتمالات
لا أحد.

6. المرأة التي هزمتني
في ليل الدواة،
وبينما أنا أنثر أمام قدميها
عشب الخلود،
تنهدت.
وقالت:
أنا لست استعارة.
أنا كمين نصبته لك الطبيعة، تحت اللسان.
وأنت رأيت الكمين.
ولم ترني.

أأنت ذئب السهوب؟
أم أنت – فقط – قناص استعارات
في ليل الدواة؟
أنا الحبر إذن.
سبابتي محرك بحث.
Wikipedia جدتي.
وGoogle حفيدي.

اضغط هنا.
اضغط مرتين
وأنت ترى أن كل ما كتبته أنت،
ولا سيما عني أنا،
سبق أن كتبه شاعر كدت أقول: أخير،
لولا أنه ما زال يمارس هوايته المفضلة:
القفز بالزانة،
في رحم اللغة.

دعك من اللغة.
دعك حتى من الرمز،
والقناع،
والأسطورة.
دعك من كل هذا.
وقل بلسان غير مشقوق: لماذا ظلمتني؟
أنا منحتك لذة النص في الحين.
وأنت حكمت عليّ بالانتظار،
مدى الحياة.
لماذا؟
لماذا؟

7. فراق في محطة الرمل
هايكو.
إبريق.
وناي.
الرمل في حلقي يرتل سيرته التي ابتدأت منذ ألف عام.
الحمامة سافرت.
والهديل أيقظني.
ثم نام.

8. طريق الحرير
حتى أنت، يا بلقيس.
كم خريطة طريق رسمنا فوق الماء،
ثم جرى الماء،
ولم يبق منها
- بين عينيك -
ولا واحدة.
حتى طريق الحرير،
صار
مقبرة.

9. الشفة السفلى
على الأرجح،
سوف أموت وأنا أبتسم.
ليس للملائكة.
ولكن،
للنساء اللواتي يتربعن على الجهات الست،
واللواتي يبتسمن في المتاحف،
وفي الساحات العامة،
بشفة واحدة:
العليا.

هكذا هي الدنيا:
ذلك النحات الإغريقي النحيل
تفنن في كل شيء.
ثم حين تمتم،
وانحنى ليضع اللمسة الأخيرة
فوق شقوق الشفة السفلى،
تنهد.
ثم
مات.

10. الرقصة ما قبل الأخيرة
وراء الكثبان،
كل شيء تجسد في قدح وجرة.
القدح من أشور.
والجرة من كنعان.
يا لها من سكرة!
حتى السماء جثت عند أقدام الراقصة،
في خطوة ناقصة.
الأوتار ترنحت.
والعيون سافرت وراء الكثبان.
سافرت. ولم تعد،
إلى الآن.

11. حيت يوجد بحر يوجد قراصنة
قرأت هذا 
في الفصل 25 من الأوديسا.
هل أجادل المنجمين،
والغرقى؟

صحيح إذن.
ولكن، في الطرة:
للحقيقة المرة،
كان ذلك قبل أن تفقد الطبيعة 
- على أيدي القراصنة -
كل شيء.
ولا سيما النطق، 
والذاكرة.
وأما الآن، فالزبد شاهد زور.
والعواصف
- على الأرجح -
رسائلنا الغرامية. ولكن، ما تزال
بخط اليد

12. في نقد الحاجة إلى الألم
الألم،
حين تعجز تاسوعات أفلوطين
عن دفع اليابسة إلى الجهة الأخرى
من الزمن.

الألم،
هنالك:
عند الشريط الحدودي
بين اللاهوت
والناسوت.

الألم،
كأي شاعر يصيد البط، بتعويمه
في مستنقعات المعنى.

الألم،
مثلما كان الرماد في نص قديم:
هائماً
على
وجهه،
بين ثلج في سن المراهقة،
وفكرة مصابة بالألزهايمر،
وسرطان الثدي.
الألم،
حين لا أثر للفراشة.
فقط ريشة في يدي.
وفي رأس الريشة:
قطرة
من
مداد.
أأكتب؟
ماذا سأكتب والفراشة
حول عنقي؟

13. ثقوب زرقاء
تعبت.
سوف أنقل البحر إلى حفرة.
وأستريح:
من الهدير،
والزعانف،
وأخبار الغرقى.

أيتها الريح!
لك الآن أن تعربدي في ثقوب القصب.
عربدي.
ولكن،
لا تقولي أي شيء
لا للقراصنة،
ولا للغرقى.

14. أأنا آخر؟
من عساي؟
كلّما نظرت إلى المرآة لا أرى وجهي،
ولكن قفاي.
وكلما نظرت إلى صفحة الماء
أرى وجه القمر،
ولا أرى وجهي.
قلت: أكتب.
وحين كتبت.
ثم قلبت الصفحة،
رأيت كل شيء، ولا سيما وجهي،
وقفاي.
رأيتني.
ورأيت آخرين يتناوبون على وجهي،
وينشبون شصوصاً كثيرة
في
قفاي.

15. عسل يسيل من بين الشقوق
في قبو.
نحل هائج، من وراء أسلاك شائكة تحيط
بالحقول الدلالية
للنص.
المقل ترتعش.
والشفاه تشرئب،
منذ أول دالية فوق هذه الأرض،
إلى أن تنضج جميع عناقيد العنب.
ثم يغلبها الضوء، فتتخلى عن كل إشارة،
وكل معنى.

حتى الضوء سوف يفنى.
وما بقي منه سوف يشتعل من جديد، وينعكس
من بين شقوق النص:
في كل مقلة،
وكل شفة،
وكل فنجان.
أي قبو هذا!
ليتني ما مت!
ليتني، فوق هذه الصفحة، سكير!
وفوق الصفحة الموالية، صاحب حان!

(*) منتخبات من ديوان بالعنوان نفسه، صدر عن منشورات «فضاءات مستقبلية»، الدار البيضاء، 2019.
(**) فاس/المغرب