بورتريه هاروكي موراكامي (اولكسي غنيفشيف ــ ألمانيا ـــ زيت على كانفاس ـــ 2020)
وإذا به يكتشف تدريجاً، أن العالم يتجه إلى مزيد من إقامة الأسوار، بدلاً من ردمها فيما تتراجع قيم الحرية تحت وطأة التحولات التي طرأت على الكوكب، معرّجاً على الحرب الروسية الأوكرانية التي زعزعت الخرائط فجأة، فبطل العمل يعيش محنة تتأرجح بين خيارين «مدينة مسورة معزولة يسودها الهدوء بلا رغبة أو معاناة، والعالم الحقيقي الذي يكمن وراء الجدران بكل ما يحمله من ألم ورغبة وتناقضات». لحظة انهيار روحي تقابلها جدران كتيمة. خوف وشكوك بدلاً من الأمان والثقافات المتبادلة، غزوات وحروب وعسكرة. مثل هذه المفردات، وفقاً لقناعة هاروكي موراكامي، لا أحد يمكنه تفكيك جذورها بعمق سوى الروائيين. في روايته الجديدة «المدينة وأسوارها الغامضة» التي من المفترض أن تصدر في العام المقبل، في أكثر من لغة عالمية، يشتبك مع أسئلة العزلة، وحمّى الجدران التي أطاحت الشراكة الإنسانية بعنف: «يتغيّر الهدف من السور والشكل الذي يتخذه اعتماداً على الشخصيات الموجودة حوله، كما يتغيّر معناه في رواياتي» يقول. على المقلب الآخر، سنتعرّف في كتابه الجديد «مهنة الروائي» إلى مفهومه للكتابة، وأهمية القراءة في تطوير حرفة الروائي، شرط أن تمتلك عينين وأنفاً في اكتشاف بريق المعدن وسط الركام، عن طريق الملاحظة الدقيقة، وتدوين هذه الملاحظات بمفكرة أو تخزينها في الذاكرة «وبذلك كل ما يجب أن يغيب يغيب وكل ما يجب أن يبقى يبقى».
بالطبع سيلتفت صاحب «جنوب الحدود غرب الشمس» إلى أهمية الجري في حياته (سبق أن أصدر كتاباً في هذا السياق بعنوان «حين أتحدّث عن الجري»)، فهو يمارس رياضة الجري يومياً كنوع من اللياقة الجسدية والتخييلية، الأمر الذي خلق إيقاعاً سردياً خاصاً به لجهة التركيز والانضباط ووضوح الفكرة: «ليس عليك أن تدرس في كلية الآداب في الجامعة حتى تصبح روائياً، لأنه لا وجود فعلياً علم متخصص في كتابة الروايات» يقول.
ولكن ماذا بخصوص الجري عكساً فوق سجادة المسودة؟ سيُخضع مسوّدة الرواية إلى تعديلات كثيرة استجابة لملاحظات المحررين التي تثير السخط، كمن يصقل قطعة من الخزف قبل ذهابها إلى الفرن. ما يبقى من غبار المعركة متعة الروائي في ابتكار حيوات موازية قابلة للعيش. «مهنة الروائي» سيرة استثنائية عن رجل كان يدير حانة، ويستمع إلى موسيقى الجاز، ويشاهد مباريات البيسبول، وفجأة يقرّر أن يكتب رواية، ثم ستتغيّر حياته رأساً على عقب.