«يُطبِق نرجسُ اللّوفر أهدابَهُ على طفولة الماء.وعندما تجيء صاعقةٌ تائهةٌ لتقرعَ بابه، يختبئ وراء قنديلٍ
يُشعله الشكّ ويطفئه اليقين.
مرّةً، رأيت كيف تكشف الغابة لإنكيدو عن نهديها،
وكيف تترك له أن يضعَ رأسه على خصرها.
هكذا رأيتُ الأبديّةَ تضحك في وجهه،
فيما أرى الظّلامَ ينوّم النّورَ، والرّمل يمشط شَعرَ الفضاء».

(تصوير الروائي شاكر نوري ـ عن صفحته على فايسبوك)

«اللوفر فضاءً للأبجدية الآتية» هو عنوان الكتاب الجديد للشاعر أدونيس الذي نسافر فيه مع صاحب «أغاني مهيار الدمشقي» في قصيدة من سبع لوحات كُتبت بدعوة من المتحف العريق وتنشر بالتعاون مع «دار لوفر للنشر» و«دار سيغر» الباريسية. سيصدر الكتاب في نهاية شهر مارس (آذار) الحالي بلغته العربية الأصيلة، وبترجمة فرنسية أنجزها الكاتب والناقد دوناتيان غرو، ليكون أدونيس أول شاعر عربي يلقي قصائده بالعربية على خشبة «مسرح اللوفر» (29 آذار/ مارس)، برفقة الممثلة فاني أردان للنسخة الفرنسية. يغوص أدونيس في الفضاءات الحقيقية والخيالية لأروقة وأجنحة المتحف، ولا سيما تلك المختصة بالآثار الشرقية، ويستنطق الأساطير مثل أسطورة جلجامش وأنكيدو وعوليس وفينوس وغيرها، ويحيي رميم كلمات الشعراء الأوائل والشاعرة الأولى إنهيدوانّا، وينقلنا إلى ذلك العالم السحري في مدن بلاد الرافدين، وتدمر، وطرق الحرير، وغابة الأرز والمواني المشرقية القديمة التي لطالما فتنت الشعراء:
«رِفْقاً أيّتها المخيّلة،
حيثما طافَت عينايَ أشعر كأنني أسمع صوت هولديرلن:
أنتِ يا مُدنَ الفراتِ والنّيلِ،
يا شوارع تدمر وجبيل وصور،
أنتِ أيتها الغاباتُ-الأعمدةُ في سهول الصحراء
من أنتِ، وما أنتِ؟»
كذلك لا يفوت صاحب «الثابت والمتحول» استحضار الوجه الآخر لجدلية قيام الحضارات وأفولها عبر استشعار لحظات الخطر التي تحيق بالحضارات وطاقة التاتانوس بالمعنى الفرويدي التي تقود إلى الخراب والموت:
«وماذا نقول لحضارةٍ ولدت في أحضان الفراتِ ودجلة،
وها هي تُنحَر على ضفافهما؟
وماذا نقول لرماد القمح والقطن، وأشلاء الشجر والنباتات؟
للخرابِ هو أيضاً جيوشه وأساطيله،
وماذا تجدي الألوهة، وكواكبها ومجرّاتها؟»
في قلب هذه اللعبة الفنية الشعرية، يوظّف أحد أبرز صنّاع الحداثة الشعرية العربية حمولته المعرفية وشحنته الخيالية مستجوباً الركائز الإنسانية الكونية اللازمة للإبداع والجمال، عبر هذه الرحلة التي تحبس الأنفاس بين القديم والحديث، حيث يكون التلاقح عبر الفن والأدب سبيلاً لحوار تأسيسيّ ممكن بين الشرق والغرب، رغم معادلات الهيمنة والاستعمار وسوء التفاهم الطويل بين ضفتَي المعمورة:
«في الطريق التي سلكها جلجامش من بغداد إلى باريس،
كانت بقرات وحشيّة صديقة لإنكيدو ترعى على جانبيها.
وكانت الطريق جسراً في الفضاء تحرسه كواكبُ اختارها دجلة
والفرات وصديقاهما النِّيلُ والبحر المتوسّطُ الأبيض».