تساءل المؤرّخ اللبناني، أحمد بيضون، على فايسبوك عن «المسؤوليّة في انقلاب الكثرة من يهود العالم، ابتداءً من سنوات الحرب العالمية الثانيّة (وليس قبل ذلك) من معارضة الحركة الصهيونيّة إلى موالاتها؟». ويُضفي بيضون على تساؤله جِدّة عندما قال «يندر كثيراً أن تُطرح». أبداً، هذه الأسئلة تُطرح دائماً من قبل فريق مؤثّر في الإعلام العربي منذ خطاب بورقيبة الشهير في أريحا. والإعلام الخليجي أفرد مساحات كبيرة من أجل ضخّ الأصوات التي تحمّل العرب المسؤوليّة (كاملةً أو غير كاملةٍ) عن النكبة وما تلاها من ويلات. هذه الأسئلة تنتمي إلى صنف «النقد الذاتي بعد الهزيمة»، وهو صنف من الاستشراق العربي الأكثر ابتذالاً من الاستشراق الكلاسيكي. هي من ضمن ما سمّاه فؤاد عجمي بـ «الجراح الذاتيّة التسديد» التي لا يمكن تحميلها لإسرائيل أو للغرب. الجواب عن تساؤل بيضون هو الآتي: 1) كنت أظن أنّ الجواب واضح لديك، وخصوصاً أنّك حقّبتَ السؤال بـ «ابتداءً من سنوات الحرب العالميّة الثانيّة». إنّ صعود النازية زاد من حجّة الصهاينة القائلة إنّ اليهود غير آمنين في الغرب، وأنهم يحتاجون إلى دولة كملاذ. والسعي إلى الملاذ بدأ بعد الجرائم ضد اليهود في حقبة ألكسندر الثالث في روسيا، ثم تبعتها «قضيّة درايفوس» التي تركت بالغ الأثر على هرتزل الذي عمل في حينه مراسلاً في باريس. الحرب العالميّة الثانية هي التي دفعت بعدد كبير من اليهود للرحيل إلى الأرض الوحيدة التي كانت مفتوحة لهم، ليس بمشيئة السكان المحليّين، وإنما بمشيئة المُستعمر المُسيطر. والهجرة الكبيرة بدأت في الثلاثينيّات. ثم، منذ أن عقد هرتزل مؤتمره الصهيوني التأسيسي في عام 1897 في بازل، أصبح مُلزماً بضغط من اليهود المتديّنين في أوروبا الشرقيّة بالقبول بفلسطين أرضاً للدولة اليهودية المنشودة (بعدما كان قد حارَ بين فلسطين والأرجنتين في كتابه «دولة اليهود»).
2) ثم عن تحوّل السفارديم نحو الصهيونية «بعد ثورة 1936». هذا غير صحيح. التحوّل بدأ قبل الثورة، بعد الاشتباك بين العرب واليهود في عام 1929، عندما قُتل يهود في الخليل وكانوا ضد الصهيونية.