الجامعة اللبنانية مهددة في وجودها ما لم يقرّ ملفّا التفرّغ والملاك. قضية الأساتذة المتعاقدين بالساعة والأساتذة المتعاقدين بالتفرغ هي قضية الجامعة. الملفان متلازمان لإنقاذ الصرح من الانهيار ومنع تفريغه من كفاءاته، وهو ما بدأ عملياً مع اتخاذ أساتذة قراراً نهائياً بالهجرة إلى الخارج أو النزوح إلى جامعات خاصة منذ العام الدراسي الحالي لأسباب اقتصادية، على غرار ما يحدث في قطاعات أخرى. تجاهل حق التفرغ للأساتذة المتعاقدين بالساعة جعلهم يمدّدون إضرابهم للأسبوع الرابع، علماً بأنهم يعدّون أكثر من 70 في المئة من الجسم التعليمي الجامعي، ويمكن إضرابهم أن يعطّل المرفق العام. وعلى خط مواز، يضغط بعض المتفرغين دعماً لحقوق المتعاقدين وبقاء الجامعة، مع توجيه دعوات إلى المندوبين المتفرغين لعقد جمعيات عمومية في عدد من الكليات. وثمة خشية لدى الأساتذة من ضياع الحقوق مع مجيء حكومة جديدة تمتثل لإملاءات البنك الدولي الذي يوصي بالتعاقد في الوظيفة العامة.«المسألة لم تعد أصلاً مسألة تفرغ وملاك وحقوق أساتذة فحسب، بل استمرارية الجامعة»، كما أكدت الأستاذة المتعاقدة إليسار شعيب، «فالجامعة غير قادرة على البقاء في ظل موازنة كهذه ووضع اليد عليها. هي قضية المجتمع بأسره للحصول على تعليم لائق للجميع، والطلاب والموظفون معنيّون مثلنا تجاه جامعتهم التي تدمر وتهمّش». وبحسب شعيب، «النقمة والغضب يسودان صفوف المتعاقدين الذين لن يتردد كثيرون منهم في الرحيل إذا لم يشعروا بالأمان الوظيفي والانتماء إلى جامعتهم. ولم يحدث أن توحّد المتعاقدون على موقفهم حول أي تحرك كما الآن، إذ صوّت 70.7 في المئة من المشاركين في الاستفتاء على الإضراب مع استمراره للأسبوع الرابع، و27.8 في المئة مع استكمال التعليم والعودة إلى الإضراب فور تأليف الحكومة، و1.50 في المئة مع وقف الإضراب». ولفتت الى أن أجواء الجمعية العمومية الأخيرة «أظهرت أن التوازن الطائفي بات في أسفل سلّم اهتمامات جميع المتعاقدين، فلماذا يفرضون علينا هذا المعيار، ولماذا لا تكون هناك رؤية خاصة بالجامعة ويجري استثناؤها مما يسري على المؤسسات العامة الأخرى، لكون المفاضلة اليوم باتت بين مؤسسة تنهار بسبب نزف الأساتذة وبين التوازن الطائفي».
«في تركيبة بلد كلبنان، يبدو هذا الحلم مستحيلاً»، بحسب الأستاذ المتعاقد في كلية الفنون كميل الأشقر، لكون «الملف غير المتوازن لا يصل إلى مجلس الوزراء، ولم ننس كيف أطاح غياب التوازن الطائفي بملف التفرغ مجلس الجامعة، وعليه فإن الملف الحالي المرفوع من رئاسة الجامعة (760 أستاذاً) يحتاج إلى ترميم بزيادة نحو 200 أستاذ مسيحي ونحو 25 أستاذاً سنياً»، مشيراً إلى أن التهويل بأن هذا الترميم سيؤدي إلى خلل أكاديمي أو مادي هو «حجة مردودة، إذ مقابل أستاذ متقاعد يمكن تفريغ 3 أساتذة، فيما يصعب توقيع عقد مع أستاذ لا يملك شروطاً أكاديمية وقانونية».
الأشقر استند إلى أن اجتهادات الفقه الدستوري والقضاء الإداري تشير الى أن «تصريف الأعمال يكون لفترة محدودة، ولا يجوز أن يكون هناك فراغ في السلطة وتعطيل للمرفق العام طيلة هده المدة، وبالتالي على الحكومة أن تجتمع وتقر الملفات الحياتية، ولا يهوّلون لأن الضرب في الميت حرام»، علماً بأن الأشقر متعاقد مع الجامعة منذ 12 عاماً، وهو واحد من 143 أستاذاً استثنوا من ملف التفرغ في عام 2014.
«الكل موجوع والمعركة هي كسر عظم»، كما قال الأستاذ المتعاقد في كلية الفنون يوسف سكيكي، لأن «الأستاذ المتعاقد تحوّل إلى انتحاري، ولم يعد لديه شيء يخسره بعد تدهور الواقع المعيشي، فهو يقبض مرة كل سنتين، وإذا ما احتسب الراتب الشهري فهو لا يتجاوز مليوناً و300 ألف ليرة، كما أنه لا يحظى بأيّ ضمانات صحية واجتماعية ولا يحقّ له أن يتبوأ أيّ مركز في الجامعة».
«المتعاقدون يشعرون بأنهم أساتذة درجة ثانية وكرامتهم مهانة، وهم قلبوا الطاولة على الجميع ولا رجوع عن الإضراب»، كما قال عضو لجنة الأساتذة المتعاقدين داني عثمان، ما لم ينجز رئيس الجامعة والعمداء وممثلو الأساتذة والمديرون الملف ويتفقوا عليه مع وزير التربية لإرساله إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإذا تشكلت حكومة يسلك طريقه الطبيعي إلى الإقرار، وإذا لم تشكل حكومة «فسنطالب بحصول حكومة تصريف الأعمال على صلاحيات استثنائية لإقراره». ورأى أن رفع عدد المرشحين إلى التفرغ من 760 إلى نحو 1100 أستاذ مستوفين الشروط لن يشكل عبئاً على موازنة الجامعة، باعتبار أن هناك نحو 760 أستاذاً تقاعدوا منذ التفرغ الأخير. وشدد على أن «المتعاقدين غير معنيين بالخلافات بين رئيس الجامعة الذي يصرّ على الملف المرفوع بحجة التمويل، وبين وزير التربية الدي يتحدث عن شوائب في الملف من مثل وجود تمانع وظيفي، أي أن هناك نحو 140 أستاذاً سينتقلون إلى الجامعة من قطاعات وظيفية أحرى، أو وجود أسماء أساتذة هاجروا أو ماتوا. والوزير بالمناسبة يحتفظ بالملف في الدرج، فلا يعيده إلى الجامعة ولا يرفعه إلى مجلس الوزراء».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا