وفق أرقام موازنة 2022، سيغذّي قطاع الاتصالات خزينة الدولة بـ3200 مليار ليرة. تقرّر إدراج هذا المبلغ ضمن الإيرادات في ربع الساعة الأخير أثناء مناقشة مشروع الموازنة في مجلس النواب. وبحسب تفسير وزير الاتصالات جوني قرم، فقد جرى اقتطاع 40 مليون دولار من النفقات الاستثمارية التي كانت مرصودة للقطاع، وأدرجت كإيرادات سيتم تحويلها إلى الخزينة خلال الأشهر المتبقية من السنة. أي أنه جرى تعديل الأولويات لتصبح الأهمية لرفد الخزينة بالتحويلات المالية بدلاً من الاستثمار في الشبكة وتحسين جودة الاتصالات والحفاظ على قيمة القطاع.كالعادة، جرى التعامل مع قطاع الاتصالات باعتباره مصدراً للإيرادات. هذا القطاع كان على شفير السقوط قبل بضعة أشهر بسبب ارتفاع الأكلاف التشغيلية أضعاف الكلفة، إلا أنه في الجلسة الأخيرة للحكومة قبل تحوّلها إلى تصريف الأعمال، أقرّ من خارج جدول الأعمال بناء على اقتراح وزير الاتصالات جوني قرم، زيادة أسعار الاتصالات 5 أضعاف في شركتي الخليوي وضعفين ونصف في هيئة «أوجيرو». هكذا ازداد تقدير الإيرادات لتبلغ نحو 11 ألف مليار ليرة. يتوزّع هذا المبلغ بين كلفة تشغيلية تقدّر بنحو 255 مليون دولار، ومصاريف استثمارية بنحو 40 مليون دولار.
المصاريف الاستثمارية في هذا القطاع ليست أمراً عابراً، بل هي ضرورية لأنها لا تحسّن أداء الشبكة فحسب، بل تحافظ أيضاً على قيمة القطاع وعلى مستوى تطوّره التكنولوجي. لكن قرم، وبالاستناد إلى معايير سياسية، قرّر أن يسحب هذه الـ40 مليون دولار التي جرى تمويلها من الإيرادات، أي من فواتير المشتركين وزيادة الأسعار الأخيرة، ويقدّمها هديّة للقوى السياسية الراغبة في نفخ إيرادات الموازنة وتقليص عجزها. وقرم لا يكتفي بذلك، بل يشير إلى أنه لو «طبّقت التعرفة الجديدة منذ بداية العام لكان القطاع أرفد الخزينة بـ6375 ملياراً». أي ما نسبته 58.2% من مجمل إيرادات القطاع بفارق أقل من 1% عن عام 2018 يوم شكّلت واردات الخزينة من الاتصالات 57.5% من مجمل الإيرادات.
في الفترة الممهدة لرفع التعرفة وما بعدها، تمحورت تصريحات قرم حول استمرارية القطاع وتأمين مصاريفه التشغيلية الناجمة بشكل أساسي عن ارتفاع كلفة المحروقات التي باتت تستحوذ على أكثر من نصف إيرادات القطاع في حينه. أما اليوم، فإن قرم يبرّر خطوة سحب النفقات الاستثمارية وتمويل عجز الموازنة فيها بالآتي: «يبدو أننا لن ننفق هذه الأموال لأن إنفاقها يحتاج إلى موافقة حكومة أصيلة. أي أن قرم اكتفى بتسيير القطاع مفترضاً أن الحكومة لن تتشكّل حتى نهاية العام، وهذا يعني أنه لن يكون هناك تحسن ملحوظ في جودة الخدمات.
10% تراجع في التخابر و20% في استخدام الإنترنت وبضع مئات تركوا الشبكة


عملياً، ما يقوم به قرم، مماثل لما جرى في الأعوام التي كان فيها مروان حمادة وزيراً للاتصالات. يومها قال حمادة الآتي: «مداخيل قطاع الاتصالات هي من أهم مداخيل الدولة حالياً، وأي خفض قد يؤثّر في قدرة الدولة على دفع الرواتب وعلى الدفاع عن تثبيت سعر صرف الليرة وعلى فتح اعتمادات الفيول أويل ودعم القمح وغيرها من الأمور الأساسية. فإيرادات الاتصالات تمثّل 38% من مداخيل الدولة اليوم». بالنسبة للسلطة كانت وظيفة قطاع الاتصالات محصورة بتمويل الخزينة، لذا كانت الأسعار مرتفعة وكانت تعدّ من الأعلى في المنطقة. وبالعقل نفسه، يدار اليوم قطاع الاتصالات. فقد زيدت التعرفة 5 أضعاف، ثم خصّص 29% من الإيرادات لتمويل عجز الخزينة. وهذه الزيادة لم تأت مجاناً، بل كان لها أثر واضح على الاستهلاك. ففي شهري تموز وآب، أي بعد إقرار زيادة التعرفة في حزيران، «بلغ عدد الذين خرجوا عن الشبكة حتى الساعة بين 200 و300 مشترك، لكننا لا نعتبره خروجاً مؤثراً. أما التخابر فتراجع 10%، واستخدام الإنترنت تراجع 20%. الأرقام متقاربة في الشركتين لكنها بقيت أدنى من نسبة الـ26% التي كنا نتوقعها» يقول قرم. اللافت أن انخفاض الاستهلاك حصل في ذروة موسم الـ«أهلا بهالطلة» الذي استقطب 1.2 مليون سائح، وهذا ما يعزز الافتراض المنطقي بأن الأرقام في كانون الأول، أي بعد 6 أشهر من رفع التعرفة قد تكون أسوأ.



«أوجيرو» في مأزق
في هيئة «أوجيرو» ازداد المدخول بالنسبة نفسها التي تضاعفت فيها التعرفة، علماً بأن هذه الزيادة لم تعالج أزمة «أوجيرو» المتمثّلة بعدم قدرتها على شراء وقود للمولّدات وتجهيزات وكابلات وقطع غيار. هنا يراهن وزير الاتصالات جوني قرم على أن يبادله وزير المال «الكرم»، ويوافق على ما طلبه من مصاريف استثمارية، تُخصّص لـ«أوجيرو» في موازنة عام 2023، مشيراً إلى أنه سيقترح «رفع التعرفة مرّة جديدة عند تشكيل الحكومة لأن هيك ما ماشي الحال»!