عرف لبنان محاكم استثنائية عدّة، منها ما كان مؤقتاً ومنها ما هو دائم، لكن الأشهَر بينها المحكمة العسكرية التي ثار حولها لغط كبير، إن لجهة صلاحياتها المتشعّبة أو لجهة الخلط بينها وبين بقية المحاكم الاستثنائية من حيث الاختصاص. ويدور النقاش بين من يرغب في تقليص صلاحياتها ومن يطلب توسيعها. والمحكمة العسكرية ليست محكمة مؤقتة كالمحكمة الأمنية الخاصة التي أنشئت عام 1978، ولا مجلساً حربياً يتولى الملاحقة والمحاكمة عن الجرائم المرتكبة خلال الحرب، بل هي قضاء مستقل بذاته واستثنائي وخاص يُدعى القضاء العسكري، يتولى النظر وملاحقة جرائم محددة بطبيعتها، وأناط به القانون ملاحقة البعض الآخر آخذاً في الحسبان صفة الجاني أو المجنى عليه. وقد تم تحديد صلاحية هذا القضاء لجهة الجرائم بقوانين عدة، إلا أنه يمكن القول إن دور هذا القضاء يكمن في أنه محكمة استثنائية لظروف استثنائية. ورغم أن البلاد لا تزال في ظروف استثنائية منذ تأسيسها، إلا أنه يقتضي تحديد ما التبس على اللبنانيين من نقاط فيه بشكل لا يقبل التأويل. في عام 2014، وعند إبداء الرأي من قِبل هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل حول اقتراح قانون يرمي إلى تعديل قانون العقوبات العسكرية، تحفّظت الهيئة عمّا ورد في اقتراح القانون، وطلبت حفظ صلاحية المحاكم العسكرية في الملاحقة والتحقيق مع الأشخاص غير العسكريين، وفي محاكمتهم مهما كان دورهم في جريمة أحيل فيها عسكريون أمام القضاء العسكري، وذلك حفاظاً على وحدة الدعاوى ولترابط أدوار منفّذي الجرم، ومنعاً لصدور أحكام متناقضة في الجرم ذاته من مرجعين قضائيين مختلفين
1- ما هي الجرائم التي يختص بها القضاء العسكري ولو ارتكبها مدني؟ 
تختص المحاكم العسكرية بالنظر في:
• الجرائم التي يرتكبها عسكريون أثناء عملهم. 
• جرائم الخيانة والتجسّس والصلات غير المشروعة بالعدو (المواد 273 حتى 287 من قانون العقوبات وفي المادتين 290 و291 منه).
• الجرائم المتعلقة بالأسلحة والذخائر الحربية المنصوص عليها في قانون الاسلحة.
• الجرائم المرتكبة في المعسكرات وفي المؤسّسات والثكن العسكرية.
• الجرائم الواقعة على شخص أحد العسكريين، باستثناء تلك التي تقع على شخص أحد المجنّدين ولا تتعلق بالوظيفة.
• الجرائم الواقعة على شخص أحد رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام.
• الجرائم الواقعة على الموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الوطني والمحاكم العسكرية أو لدى الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام إذا كانت لهذه الجرائم علاقة بالوظيفة. 
• جميع الجرائم، مهما كان نوعها، التي تمسّ مصلحة الجيش أو قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام.
• الجرائم الواقعة على شخص أحد رجال الجيوش الأجنبية أو التي تمسّ بمصلحتها ما لم يكن هناك اتفاق مخالف على تحديد الصلاحية بين الحكومة اللبنانية والسلطة التابعة لها هذه الجيوش.
• مخالفات أحكام قانون خدمة العلم.
• الجرائم التي ينصّ قانون تجريمها على صلاحية المحكمة العسكرية وعدم وجود نص قانوني يحجب صلاحيتها.

2- ما هي الجرائم والدعاوى التي تخرج عن صلاحية القضاء العسكري
ولو ارتكبها عسكريون أو ارتكبت بحق عسكريين ويعود النظر فيها للقضاء العادي؟ 

خلافاً لأحكام قانون القضاء العسكري وقانون قوى الأمن الداخلي والأمن العام، يخرج عن اختصاص القضاء العسكري ويعود إلى القضاء العدلي النظر في:
• الدعاوى الناشئة عن الجرائم العادية المتعلقة أو غير المتعلقة بالوظيفة التي تقام على رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام والموظفين المدنيين لدى هذه القوى أو تقام منهم، إلا إذا وقعت في المعسكرات والمؤسسات العسكرية، أو إذا كان الجرم من الجرائم المتعلقة بمهام وعمل القوى الأمنية المعرّفة بالجرائم العسكرية.
• الدعاوى الناشئة عن الجرائم العادية والجرائم المتعلقة بالوظيفة التي تقام من أو على المماثلين للعسكريين من رجال الجمارك ورجال القوى المسلحة في الموانئ والمطارات، وسرية الأحراج ووحدات الحراسة ومفارزها، ورجال الإطفاء والشرطة البلدية في مختلف البلديات.
• الجرائم التي يرتكبها رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام، والمديرية العامة لأمن الدولة والموظفون المدنيون التابعون لقوى الأمن الداخلي والأمن العام والتي لا علاقة لها بالوظيفة.
• الجرائم التي يرتكبها رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام والمديرية العامة لأمن الدولة أثناء التحقيقات العدلية العادية التي يقومون بها والتي لها علاقة بهذه التحقيقات أو المرتكبة منهم بسببها أو بموجبها.
• الجرائم التي تقع على رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام والموظفين المدنيين التابعين لقوى الأمن الداخلي والأمن العام والتي لا علاقة لها بالوظيفة.
• الجرائم التي يرتكبها رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام والمديرية العامة لأمن الدولة داخل قاعات المحاكمة أثناء انعقاد الجلسات لدى المحاكم العادية، أو المرتكبة منهم أثناء مثولهم أمام قضاة النيابات العامة وقضاة التحقيق.
• كما تخرج عن اختصاص القضاء العسكري الدعاوى التي تكون بطبيعتها من اختصاص محكمة استثنائية أخرى كدعاوى المطبوعات أو محاكم الأحداث.

3- هل يمكن الادّعاء من قِبل المتضرر أمام القضاء العسكري؟ 
تنحصر صلاحية المحكمة العسكرية من أيّ درجة كانت، بدعوى الحق العام من دون الحق الشخصي، ولا يجوز استماع الشاكي إلا على سبيل المعلومات. وعلى المدّعي الشخصي إقامة الدعوى أمام المحكمة المدنية الصالحة. ويتوقف صدور الحكم بها حتى فصل دعوى الحق العام نهائياً ويعفى الشاكي المتضرر من رسوم الدعوى.

4- هل يتألف القضاء العسكري من ضباط أو من قضاة؟
لا يتألف القضاء العسكري من ضباط فحسب، بل يرأس معظم أجهزته قضاة، ويتولى التحقيق والاتهام فيها قضاة أيضاً كقاضي التحقيق العسكري ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية رغم أنها تضم ضباطاً بين أعضائها، كما يرأس محكمة التمييز العسكرية قاض في حين يرأس المحكمة العسكرية الدائمة ضابط، ويتميز كل من محاكمها بتشكيل مختلف من حيث العضوية والرئاسة.

5- ممّن تُشكّل محكمة التمييز العسكرية؟
تتألف محكمة التمييز العسكرية:
1 - في الدعاوى الجنائية: قاض وأربعة ضباط:
من قاض من ملاك القضاء العدلي من الدرجة السابعة وما فوق رئيساً، ومن أربعة ضباط أعضاء من رتبة مقدّم وما فوق.
2 - في الدعاوى الجنحية: قاض وضابطان
من قاض من ملاك القضاء العدلي من الدرجة السابعة وما فوق رئيساً، ومن ضابطين عضوين من رتبة مقدّم فما فوق.

6- ممّن تُشكل المحكمة العسكرية الدائمة؟
تتألف المحكمة العسكرية:
1 - في الدعاوى الجنائية: ضابط رئيساً و3 ضباط أعضاء وقاضٍ.
من ضابط برتبة مقدّم فما فوق رئيساً، ومن أربعة أعضاء أحدهم قاضٍ من ملاك القضاء العدلي في الدرجة الثالثة عشرة وما فوق، وثلاثة ضباط من رتبة دون رتبة الرئيس.
2 - في الدعاوى الجنحية: ضابط رئيساً وضابط عضو وقاضٍ.
تنحصر صلاحية المحكمة العسكرية من أيّ درجة كانت بدعوى الحق العام دون الحق الشخصي وعلى المدّعي الشخصي إقامة الدعوى أمام المحكمة المدنية الصالحة


من ضابط لا تقل رتبته عن رتبة مقدّم فما فوق رئيساً، ومن عضوين أحدهما قاض من الدرجة الثالثة عشرة وما فوق، وضابط دون الرئيس رتبة.
وعند محاكمة أحد ضباط الجيش، ينبغي أن يكون جميع القضاة العسكريين في كل من هاتين المحكمتين أعلى رتبة من الضابط المدّعى عليه أو من رتبته على الأقل. وعند محاكمة رجال قوى الأمن الداخلي أو موظفي الأمن العام، تُشكّل محكمة التمييز العسكرية والمحكمة العسكرية بالتساوي من ضباط الجيش ومن ضباط من سلك المدّعى عليه.

7- من هم القضاة العسكريون المنفردون؟
يتولى القضاء العسكري المنفرد قضاة من ملاك القضاء العدلي، غير أنه يمكن تعيينهم من الضباط المجازين في الحقوق من رتبة ملازم أول فما فوق، وإذا تعذّر ذلك فمن غير المجازين.

8- من هي الجهة الصالحة لبتّ التنازع
على الصلاحية بين المحاكم العدلية والعسكرية؟

عند وجود خلاف سلبي أو إيجابي على الصلاحية بين محكمة عسكرية ومحكمة عدلية، يصار إلى تعيين المرجع من قِبل محكمة التمييز بناءً على طلب النائب العام لدى محكمة التمييز.



3 أنواع من القضاة يتألف القضاء العسكري من:
قضاة الادّعاء: مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ومعاونيه
قضاة التحقيق: قاضي التحقيق العسكري الأول وقضاة التحقيق العسكريين
قضاة الحكم وهم: قضاة منفردون والمحكمة العسكرية الدائمة ومحكمة التمييز العسكرية.
وتطبق لدى المحاكم العسكرية الأصول المبيّنة في القانون العادي لجهة ضبط المحاكمة ومسك السجلات.


محكمة الفرنساوية
قبل عام 1921، كانت المحاكم العسكرية الفرنسية تتولى النظر في محاكمة من يقومون بأعمال تضرّ بسلامة الجيش الفرنسي، باعتبار أن ولاية المحاكم الفرنسية تمتد مع انتشار الجيش الفرنسي، إلى أن أصدر المفوّض السامي الفرنسي الجنرال غورو في عام 1921 قراراً بإحالة المخالفات إلى المحاكم العادية للحكم فيها بعدما كانت تحال إلى المحاكم العسكرية. إلا أن هذا القرار لم يستمر حتى أصدر الجنرال ساراي قراره بمحاكمة المخالفين أمام المحاكم العسكرية الفرنسية، ونصّ على صلاحيتها بملاحقة من يرتكبون في أراضي سوريا ولبنان الكبير والعلويين وجبل الدروز أعمالاً تضرّ بسلامة الجيش الفرنسي أو بمصالحه. 
عام 1933، حدّد نظام «الجندرمة» اللبنانية أن صلاحية محاكمة ضباط «الجندرمة» وجنودها على اختلاف رتبهم هي من صلاحية المجلس الحربي في سائر الجنايات والجنح.
عام 1941، تم إنشاء محكمة عسكرية دائمة في بيروت للقوات «الفرنساوية» الحرة بموجب قرار المفوّض السامي كاترو.
عام 1945، بعد الاستقلال، صدر قانون بتاريخ 12/10/1945 حدد اختصاص المحكمة العسكرية.
عام 1968، صدر قانون القضاء العسكري، وتم تحديد صلاحية القضاء العسكري في الجرائم الواقعة على رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام والموظفين المدنيين التابعين لقوى الأمن الداخلي والأمن العام.
عام 1971، تم تحديد ما يخرج عن صلاحية القضاء العسكري ويعود للقضاء العادي، بموجب المادة 39 من المرسوم الرقم 1460 تاريخ 8/7/1971.
عام 2001، تم تعديل قانون القضاء العسكري وأخرج من صلاحيته الجرائم التي يرتكبها أو ترتكب بحق المجندين عند ارتكابهم جرائم لا علاقة لها بمهامهم العسكرية.