اختلف أداء المحامين خلال الأزمة الأخيرة، فمنهم من احترم أصول المهنة وأهدافها النبيلة واستمر في أداء مهماته لتحقيق العدالة، رغم كل الصعوبات المادية والنفسية واللوجستية، ومنهم من تنحّى جانباً في انتظار انتهاء الأزمة خوفاً من تكبّد الخسائر، والبعض الآخر استغل هذه الأزمة ولعب دوراً سلبياً أساء إلى المهنة والزملاء والمرفق القضائي بشكل عام. فالدفاع عن حقوق الموكل لا يعني إهدار حقوق الخصم أو الإساءة إليه أو الإضرار بمصالحه الشخصية أو تكبيده خسائر لا تعود بالمنفعة على أحد، أو تحريض الموكل على رفع دعاوٍ لا فائدة منها سوى الكيدية والمنفعة المالية للمحامي. هذه الممارسات لا تؤدي إلى إرساء العدالة وإنما إلى تحميل كاهل القضاء بملفات مرهقة وهادرة للوقت.
هل من رادع يمنع بعض المحامين من تقديم دعاوٍ كيدية تهدف إلى المماطلة وتعطيل القضاء؟

انطلاقاً من مبدأ قرينة البراءة، لأي متهم الحق بتوكيل محام، هذا لا يعني أن للمحامي الحق باستخدام وسائل وأدلة يعلم بزيفها لإثبات براءة موكله مع تيقّنه من أنه مذنب، بل ينبغي أن يقتصر دوره على ضمان حقه بمحاكمة عادلة، وفي أحسن الأحوال حصوله على أسباب تخفيفية. فالهدف الأساس لمهنة المحاماة هو الدفاع عن الحقوق. وعندما نتحدث عن الحقوق علينا أن نوازن بين الحق الخاص والحق العام، وعلى المحامي الأخذ في الحسبان المصلحة العامة للمجتمع.
لكن أخيراً، استغل بعض المحامين الإضرابات والتوقف عن المحاكمات لمصلحة موكليهم الخاصة، ضارباً عرض الحائط بالمصلحة العامة وضرورة تسريع المحاكمات، ولا سيّما تلك التي يكون أحد طرفيها موقوفاً. ومنهم من تلكأ عن استلام التبليغات أو استغل حقه بتقديم الدفوع أو الاستمهال لدراسة القضايا بهدف المماطلة أكثر، وكأن فترة الإضرابات اللا متناهية لم تكفهم لدرس ملفاتهم. كما انصاع بعضهم إلى دفع مبالغ غير محقة من أجل تسريع معاملات موكليهم وغيرها من الممارسات المحقة، بالنظر إلى حرفية النص، ولكنها لا تنسجم مع أخلاقيات المهنة الهادفة إلى إظهار الحق. فالمحاماة لا تعني استغلال المعرفة بالقوانين للاحتيال من أجل كسب قضية دونما وجه حق، أو الانصياع إلى رغبة الموكل بما يخالف مفهوم الشرف والأمانة.

الدفاع عن حقوق الموكل لا يعني إهدار حقوق الخصم أو الإساءة إليه أو الإضرار بمصالحه الشخصية أو تكبيده خسائر لا تعود بالمنفعة على أحد


وما الحصانات والامتيازات التي تعطى للمحامين إلا مقابل الموجبات الكبيرة الملقاة على عاتقهم. بالإضافة إلى الالتزام بمجموعة من القواعد التي يفرضها القانون وتلحظها الأنظمة الداخلية للنقابة بهدف الحفاظ على آداب المهنة ومستواها حتى في أصعب الظروف كتلك التي يمر بها لبنان اليوم. التي أكدت أن دور المحامي لا يقتصر على دراسة ملفاته وكتابة مرافعاته بل يجب أن يتحلى بالمسؤولية تجاه مجتمعه وعلاقاته مع زملائه في الجسم القضائي، فالمحاماة رسالة وليست وكالة فقط، ومسؤولية المحامي تبدأ من لحظة تبنّيه لأي قضية، إذ يفترض أن يكون قراره ناتجاً عن قناعة بأهمية تلك القضية المطروحة عليه ومدى إمكانية تحقيق العدالة فيها ومحاولاته لحل الخلاف بالأساليب الودية تجنباً لمرحلة تقاضٍ لا طائل منها.
قد يغيب عن ذهن البعض أن المحاماة هي دور يلعبه المحامي بالشراكة مع كل العاملين في السلكَين القضائي والأمني من أجل ضمان تنفيذ القوانين. لذلك لا بد من إيجاد رادع يمنع بعض المحامين من تقديم دعاوٍ كيدية تهدف فقط إلى المماطلة وتعطيل القضاء من خلال إلزامه -على سبيل المثال- بدفع تأمين مالي يحوّل إلى صندوق النقابة في حال عدم متابعة الدعوى أو التأكد من كيديّتها.