في مشروعها المتمحور حول أسئلة الجسد وقضاياه، أرادت الشاعرة اللبنانيّة أن تتصادم مع بنية القيم السائدة. كيف فعلت ذلك؟ وإلى أي مدى نجحت فيه؟
نوال العلي
هذا هو العدد الثالث من مجلة «جسد». ما زالت الأصفاد تتدلى من العنوان ليذكرنا هذا التصميم برسام مبتدئ يرسم الحرية في قفص، ويقصد بذلك أسراً أو يترك سهماً يخترق القلب ويقصد أنّه الحب. تعلن المجلة عن نفسها بصفتها ثقافيّة فصليّة متخصصّة في آداب الجسد وعلومه وفنونه. على الصفحة الأولى بعد الغلاف، افتتاحية رئيسة التحرير. عنوانها «حديث الجيم» يخطر في بالك فوراً جيم جمانة. جيم جسد. الإيغو في أعلى حالاته على ما يبدو.
تنظر إليك صورة الشاعرة والإعلامية جمانة حداد مثل قطة وأنت تقرأ تطلعاتها في ما يخص مستقبل حرية المرأة اللبنانية. وهي تعلن منذ البداية أنها ستقول أموراً على درجة من الحساسية «ثمة أشياء تحتاج إلى أن تقال، حتى لو كان ثمن قولها اكتساب وصمة المناضلة التي تكهربني». أنت تقرأ المقال ولا تعرف ما هي تلك الأمور الخطيرة التي باحت بها حداد وقد تضعها في مصاف المناضلات.
دائما تستبق حداد الآخرين، كأنّها تقول «أوعى حدى يقول عني مناضلة». لم يقل أحد هذه الكلمة بعد عن السيدة، لكن فيما لو. وهكذا كان الحديث عن مجلة «جسد» قبل أن يصدر العدد الأول منها. خرجت جمانة تدافع بشراسة عن جسد، رغم أنها كانت مجرد فكرة بعد. لم يسمع بها أحد ولم يهاجمها أحد، وزعمت أن رجالاً من «حزب الله» حطموا جناح المجلة في معرض الكتاب الفائت في بيروت. كلنا زرنا المعرض وشاهدنا بأم أعيننا الجناح في مكانه لم يمسسه سوء. هذا ما يسمونه دعاية جيدة، وخصوصاً حين تخرج امرأة عربية بلدغة فرنسية أو إنكليزية في الصحافة الغربية وتشكو فقهاء الظلام.

فوضى مهنيّة وعشوائية في تقديم الملفات
على أي حال، صدرت المجلة التي تتفاخر صاحبتها بأنّ أعلى نسبة اشتراكات لديها هي من السعودية. الصفحات الأولى معنونة بـ«رادار» لا نعرف معنى ورود خبر عن أكلة «مني بالأرز والفلفل» أو «للمستمنين ملك» إلا يتوقع القارئ من مجلة ثقافية تُعنى بالجسد أن تبدأ بأمور أخرى تدفعه بالمضي قدماً فيها بصفته قارئاً وليس مستمنياً هنا.
يضم العدد ملفات عدة يتصدرها «الجسد مدمناً» ويتناول أشكالاً مختلفة من الإدمان. ورغم أهمية الملف، فإنه ينتقص إلى المهنيّة في إعداده. ويستند إلى قصص على لسان كاتب المقال أو شهادات لمراهقين تُجمع من مواقع الإنترنت، أو الترجمة أحياناً، أي أنّه يفتقر لمادة دسمة ثقافياً وعلمياً ويكتنز حكايات مشوقة ومثيرة.
وما ينطبق على هذا الملف ينطبق على معظم المواضيع. رغم أهمية الأفكار، إلا أن معالجتها لم تكن على مستوى أهميتها. مثل ملف «حدثني أوديب قال» ويتعلق بزنى المحارم. تنتقي منى فياض ثلاث حالات ميدانية من لبنان بعناية هنّ إمّا محجبات أو من الجنوب. ثم يكتب أبي حسن «مشاهدات في بعض حالات سفاح المحارم في سوريا»! أليس موضوع زنى المحارم موضوعاً دينياً وتاريخياً وميثولوجياً يستحق أكثر من ذلك؟ ثمة فوضى مهنيّة، وعشوائية في كتابة هذه الملفات الثقافية والاجتماعية.
في المجلة أيضاً، مجموعة لقاءات أجريت مع شاعرات وكاتبات عن علاقة كل واحدة بجسدها والماكياج والرياضة وصالون التجميل. أنت بلا وعي تقول «لو كانت إميلي ديكنسون وفرجينيا وولف هون».
في أحد لقاءاتها، تقول حداد: «نحن نحب الجسد حين يتحدث عنه الآخر». في الحقيقة، الجسد المتوافر هنا هو الجسد كما يراه الآخر الأجنبي غالباً، حصة الترجمات تفوق الحضور العربي. حتى حين تعود ملفات المجلة للتراث فهي تميل لتراث الآخر. متجاهلة في كثير من الأحيان موروثاً كبيراً إيروتيكياً كتب في التاريخ الإسلامي عن الجسد.
نعم نحتاج لمجلة عن الجسد. لكن كيف؟ ولماذا؟ وما الفرق بين تأسيس حالة ثقافية تعمل على هتك المجتمع وصدمه وبين حالة عهر ثقافي لن تفضي إلى شيء سوى الربح. نريد مجلة توضع من دون كوندوم سميك على حامل المجلات ومن دون عبارة «للراشدين فقط» تخرج بعد قراءة «جسد» بانطباع غامض عنها. هل تنتهك المحرمات بتسطيحها أم تكرّسها؟