«تقسيمات غير منجَزة» هو العنوان الذي اختارته غريتا نوفل لمعرضها في «غاليري جانين ربيز». معرض فردي جديد للفنانة اللبنانية تدخل فيه غريتا نوفل عالمها الموسيقي الأعز على قلبها، بشكل خاص عالم الجاز. هنا التركيب سيد الموقف كما الكولاج. كأنّ نوفل تعود بنا إلى الحقبة البنائية/ التركيبية بكل ما فيها من حنين في عشرينيات القرن الماضي.
وقد نشطت هذه المدرسة الفنية بعد ثورة أكتوبر في روسيا. وهي في الأساس ظهرت كحركة معمارية. ثم تطور وجودها إلى مدرسة نقدية فنية قائمة بذاتها مع خمسينيات القرن الماضي. اليوم، تظهر أعمال غريتا نوفل «بنيوية» خالصة، بعدما اعتدنا على رؤية أعمالها التعبيرية أو التجهيزية والمفهومية وحتى التجريبية.
فالفنانة المقدامة في المغامرة الفنية، تعود اليوم إلى مزج الأثر السمعي بالبصري، وتقدم للرائي خلاصة تشكيلية نوستالجية على وقع تنافر نغمات الجاز.
وللمفارقة هذا الدمج أو التوليفة synchronization التي عجنتها غريتا نوفل هي من الحقبة التاريخية عينها، فالجاز أيضاً عشريني النشأة. تطرح نوفل أوراق الدفتر الموسيقي في منتصف اللوحة ثم تثبته بالـcd، تلصق ألوانها، أو تلوّن مساحاتها لتصل العين إلى حدود الذاكرة عند الفنانين الروس مؤسسي البنائية/التركيبية مثل فلاديمير تاتلين، وإل ليسيتسكي، وليوبوف بوبوفا أو حتى لاسلو ناغي.

أعمال تذكرنا بالروحية
البصرية لبوسترات ما بعد
ثورة أكتوبر في روسيا


لوحات نوفل في هذا المعرض أغلبها مربع الشكل، مسطح المساحة مع تلصيق وتلوينٍ للمساحات. تغيب ريشة غريتا الصاخبة المعتادة، لتترك أفق اللوحات هذه للمساحات اللونية الموحدة النظيفة، بشكل خاص من التدرجات الأصفر والأخضر الرمادي والأزرق المتنوعة الدرجات. دوائر، أشكال هندسية، كلها تذكرنا بالروحية البصرية لبوسترات ما بعد ثورة أكتوبر في روسيا. مجموعة من عشرات اللوحات تعرض إذاً في «غاليري جانين ربيز» (الروشة) حتى نهاية الأسبوع الجاري، مع تجهيز من شرائط الموسيقى المكسرة المفرغة من غلافها في وسط الصالة. هل أرادت غريتا نوفل هنا أن تنعى عصر الشريط الموسيقي؟ أن تنعى حقبة؟ أم أن «تبني» من الماضي أملاً لمستقبل فني تشكيليّ وموسيقيّ مشرقٍ لا محال؟ أسئلة يجيب عليها كل راءٍ بحسب هواه.
يبقى أن حضور غريتا نوفل منذ ثلاثين عاماً على الساحة الفنية اللبنانية والدولية لا يمر من دون جديد لا نتوقعه. الفنانة اللبنانية التي تحمل في رصيدها أكثر من عشرين معرضاً فردياً وعشرات المعارض الجماعية لبنانياً ودولياً من بيروت إلى استوكهولم، ودبلن، ولندن، وبروكسل، والاسكندرية، والشارقة، هي بذاتها إرثٌ للحركة التشكيلية اللبنانية وأكثر. هي إرث لتداخل حركات الفنون كلها: مرئية، مسموعة، مكتوبة.. وحتى مُعاشة.
(الأخبار)

«تقسيمات غير منجَزة»: «غاليري جانين ربيز» (الروشة) حيث توقع الفنانة كتابها الفنّي JAZZ PULSE مساء الخميس 25 أيار بين الخامسة والثامنة مساءً، بدعوة مشتركة مع «مكتبة أنطوان»