يعمد المغربي عبد العزيز الراشدي (1978) الذي قد يُعَدّ الأغزر بين أبناء جيله، إلى جعل روايته «مطبخ الحب» («دار ثقافة» في الإمارات و«دار الأمان» في المغرب) مطبخاً يحمل خلطة من الأكلات المتنوعة تجمع بين السياسي والاجتماعي والعاطفي، عاكسةً أوضاع الجيل الحالي من الشباب المغربي. هذا ما يخلص إليه الكاتب على لسان أستاذ جامعي يرافق البطل وهو يقول له: «البلد مكشوف والجميع يعرف أعطابه جيداً لكن الناس لا يرغبون في حلها ولا في الحديث عنها. ما فعلتَهُ يا عبد الحق هو أنك تكلمت عن رائحة فم الأسد النتنة التي يعرف الجميع عنها، فاستحققت غضب المهدي ومن يحركه». عبد الحق المنصوري بطل الرواية يعود من أوروبا بعد مغامرة هجرة سرية تجعل السلطات تطرده خائباً إلى بلده. عودة المنصوري ترافقها أحداث تدفع به إلى العمل محرراً في جريدة بفضل أحد معارفه القدامى، ثم يستعيد سلسلة الإخفاقات التي راكمها منذ تخرجه من الجامعة: العطالة، والانتماء إلى حركة العاطلين، وقصة حبه مع سهام، ونساء أخريات عبرن حياتهن، ورافقنه إلى شقته التي تشكل مأمنه، وربما «الانتصار الوحيد» في حياته. لكن الشقة حيث يطبخ البطل الحبّ، قد تتبدد في أي لحظة بعد مقالات ينشرها في الجريدة.
تحاول «مطبخ الحب» مقاربة العقدين الأخيرين في المغرب وكل التحولات التي شهدها منذ صعود الاشتراكيين إلى الحكم حتى الحراك الاجتماعي الذي عرفه البلد إبان «الربيع العربي». يقدم حكايات تمثّل التحولات الاجتماعية في المملكة ونماذج عن الفساد السياسي والإداري. يضيع القارئ بين أحداث من التاريخ الراهن، يظل الرابط بينها هو عبد الحق المنصوري، رمز الجيل الخائب. رغم أن الحدث آني جداً، إلا أن الكاتب لا يشير إلى الأشخاص والتنظيمات السياسية والنظام والمدن مباشرة. يتوقف عند معالم الحياة المعاصرة في المغرب، ويجعلها جزءاً من الرواية. وهنا بالضبط يتحقق بناء «غريب» للعمل الروائي. كما نحن أمام بطل الرواية الجامعي الذي يعد بحثاً عن المجتمع المغربي، نجدنا أمام المحاولة ذاتها من الروائي الذي يطمح إلى تشريح المجتمع المغربي في الجزء الأكبر من الرواية. ثم هناك الشخصي والعاطفي. في العديد من مواضع الرواية، نجد إيروتيكية البطل الذي لا يرغب في فقدانها. يقاوم تقلبات الذاكرة بتدوينها على أوراقه الشخصية، إلى أن تعثر حبيبته على جزء من هذه الأوراق وتهجره، ما يسرّع الأحداث لاحقاً.
من خلال قصصه وأعماله، تنقّل الراشدي بين أفكار عدة من كتابة الهامش إلى أدب الصحراء. لكنه في «مطبخ الحبّ»، وإن ظل ينتصر لشخصيات تعيش خارج المدن الضخمة، إلا أننا نشعر هنا بمحاولة لسبر أغوار المدن الكبرى: الرباط، سلا، العواصم الأوروبية وخصوصاً الدار البيضاء. العاصمة الاقتصادية المغربية شكّلت وحدها أحد أهم مواضيع الكتابة في المغرب، من جيل المؤسسين الذين غرقوا في واقعية مذهلة عن حواريها ومدن صفيحها إلى كتّاب الجيل الجديد الذين لا يزالون يتخيلونها ويوثقون لحياتها التي كثيراً ما تنزاح نحو الأسطورة في آن واحد. لكن كازابلانكا تظل بعيدة بعض الشيء وبلا معالم في «مطبخ الحب». إنها هنا تعبّر عن المغرب الجديد المتوحش الذي يتحكم به رأس المال، ورائحة فم الأسد النتنة التي لا أحد يجهر بها، فتفقد كل المعالم ما عدا قسوتها.