أُبيّ حسن
نظرة القائد الشيوعي الراحل دانيال نعمة

لا يختلف عاقلان على الحال البائسة التي (عاشتها و) تعيشها الجبهة الوطنية التقدمية في سورية من جهة أنها مجرد أداة بيد السلطة وواجهة خلّبية بغية الإيحاء بوجود التعددية السياسيـــــــة في البلاد لا أكثر من ذلك. وإن كنا نؤمن بصواب ما أسلفنا، غير أن «جبهويات» القائد الشيوعي الراحل دانيال نعمة، التي صدرت أخيراً عن دار التكوين فــــــي دمشق، تأتي لتغيّر وجهة نظرنا وبالتالي لتصحح لنا بعض «صوابنـــــــــا»، ولو جزئياً، في الجبهة وواقعها الذي كان مثلما عايشه أحد أبرز مؤسسيهـــــــــا عام 1972، أعـــــــــــني دانيال نعمة الذي فــــــــارق دنيانا منذ نحو ثلاث سنوات. من الجدير ذكره أن ما بين دفتي الكتاب الذي نعني من انتقـــــــــادات كان يجري بعضهـــــــــا داخل الجبهـــــــــة فيما أغلبها في مؤتمــــــــــرات الحزب الشيــــــــوعي السوري (اللجنة المركزية، أو ما بات يعرف بجناح يوسف الفيصل).
بدأ الحزب الشيوعي انتقاده للنظام منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976، ويقول نعمة في هذا السياق: «عندما أدخل السوريون قواتهم المسلحة إلى لبنان عام 1976 كان للحزب موقفه المعارض. وقد عبّر عنه في أحد اجتماعات القيادة المركزية للجبهة، وكانت النتيجة أن انقطعت هذه الاجتماعات لفترة طويلة». الرأي آنف الذكر سيدفع ببعض القوى الرسمية السلطوية للقول رسمياً: «لقد كان بالود الدعوة قبل الآن إلى اجتماع من دون ممثلي الحزب الشيوعي..». وفي أكثر من مناسبة صرح قادة من البعث بأن هذه الجبهة هي عملياً: جبهة بين التيار القومي ممثلاً بالبعث وبقية الأحزاب الجبهوية، وبين التيار الماركسي ممثلاً بالحزب الشيوعي السوري.
ثمة انتقاد شديد في «الجبهويات» لحزب البعث وممارساته غير المنطقية، التي يرى فيها نعمة: «ممارسات بعيدة عن فهم الروح الجبهوية الحقيقية. إن البعض في حزب البعث يتصرفون عموماً بعقلية الدور القيادي دون حوار ديموقراطي وإقناع بالحجة والمنطق...إلخ». ويعترف نعمة بشيء من المرارة بأن الجبهة لا تدعى إلا في المناسبات، وإذا دعيت فلتبلّغ مواقف وقرارات جرى اتخاذها.
لا يخفي نعمة متاعب حزبه مع الجبهة (والمقصود بالجبهة هنا حزب البعث طبعاً). فقد كان الموقف من الشيوعيين ينطلق عموماً من الحذر والشك والعداء أحياناً. ولا يفوته ذكر معاناة الاستدعاء إلى الأجهزة الأمنية تكراراً.
كان لا بدّ من ذكر ما سلف بغية لفت الانتباه إلى أنه كان في الإمكان أن يكون الراهن السوري أقل بؤساً من جهة الحراك السياسي، هذا على الأقل ما نستدل عليه من جرأة النقد التي كان يوجهها نعمة للحزب الحاكم من دون أن يطعن المنقود بوطنية نعمة أو يشكك في ولائه للبلاد! ولنا أن نتصوّر لو بقيت شخصية متميزة من وزن الدكتور الراحل جمال الأتاسي في الجبهة، ترى ألم يكن بمقدوره هو وبعض الشرفاء من الموجودين فيها (أو كانوا) أن يحدّوا من حجم الفساد مشكلين أداة ضغط تكبح جماحه كي لا أقول إنه، ربما، كان بالإمكان إنجاز مكتسبات ديموقراطية تراكمية!
خطأ المفكر والمربي د. جمال الأتاسي كامن، في ما يرى نعمة، أنه «قد أراد منذ بداية الجبهة مقاسمة حزب البعث السلطة مقاسمة حقيقية، غير آخذ بالحسبان نسبة القوى الحقيقية على الأرض. فخرج أو أُخرج من الجبهة، فماذا كانت النتيجة؟ لقد ضعفت الجبهة ومواقع الأحزاب الأخرى فيها، والأثر الذي يمارسه جمال الأتاسي وأنصاره الآن غير محسوس به إطلاقاً».
كان من اللافت للانتباه أن أياً من أعضاء الجبهة الحاليين، بمن فيهم من هم من مؤسسي الجبهة ورفاق الراحل نعمة في العمل الجبهوي من سنة التأسيس حتى تاريخ وفاته 2004، لم يُدلِ برأي حول ما انطوى عليه الكتاب!
* كاتب سوري




العنوان الأصلي الحراك السياسي في سوريا خلال نصف قرن (1955 ــــ 2004)
الكاتب: دانيال نعمةالناشر دار التكوين ــــ دمشق