يوم 25 أيار سنة 2000 للميلاد عيد التحرير والانتصار. تحرير الجنوب اللبناني، وانتصار المقاومة وهزيمة العدو الصهيوني ومكانة هذا اليوم الذي صار عيداً وطنياً للمقاومة والتحرير، أنه يجمع في لحظة وقائع وأحداث تمثل تاريخ كفاح أمة من أجل الحرية. وهذه الوقائع تحققت في وقت فاصل بين قرنين وشكلت تأوّجاً لحركة الأحداث والمتغيرات الدولية والإقليمية وكأنها مؤشر معادلات جديدة عادت تفرض ثقلها في ميزان الصراع على المستوى الدولي والإقليمي، وكذلك، في مسار الصراع العربي – الصهيوني. كان البرزخ الزمني الواصل بين قرنين مشبع بأحلام السيطرة، وقيامة نظام عالمي جديد، وانهيار أنظمة قديمة، وتحولات عميقة على مستوى الأفكار والمصالح والقيم، وكان النظام الإقليمي العربي، محل صراع تصاعد في النصف الأخير من القرن الماضي، لتعصف فيه متغيرات كافية للقول إنها انقلابية المنحى، ترتبت عليها آثار عاصفة بكل تركيبة هذا النظام، وعلاقته مع متغيرات النظام الدولي.
يمثل تحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الصهيوني، بفعل المقاومة المسلحة، أوّل انتصار مكتمل الوصف للمقاومة ضدّ العدو الصهيوني، وهزيمة غير مسبوقة لهذا العدو. وهذا التوصيف يعني أن ميزان القوى التقليدي في الصراع العربي – الصهيوني تغيّر لصالح العرب والمسلمين. وهذه المعادلة الجديدة في ميزان القوى حققتها المقاومة الإسلامية في لبنان. ليس هذا الإنجاز بالأمر السهل والعادي في حسابات الحروب المصيرية، إنه لحظة تأوّج وانقلاب وتغير كيفي في حركة هذا الصراع. ولذلك تترتب عليه آثار عديدة، تلحق بجوانب الصراع المحيطة. وهذا ما حدث في الحقيقة. كيف؟
شهدت حركة الصراع العربي – الصهيوني حروباً متتابعة، كانت نتائجها لصالح العدو، لكنها لم تقضِ على روح القتال عند الأنظمة العربية المحيطة بفلسطين، ولا المقاومة عند شعوبها. كانت كل حرب تنتهي إلى معادلة مفادها الاستعداد لحرب جديدة، وهذا في العلم العسكري يفيد، أن العدو لم يستطع هزيمة العرب وأن العرب لم يستطيعوا تحرير فلسطين لكن حركة الصراع استمرت على حالها. كانت الحروب تتابع كلما وصل الاستعداد للحرب إلى لحظة انفجارها. كانت العلاقة بين الحرب النظامية وحرب الأنصار، أو المقاومة الشعبية وحرب الفدائيين، علاقة تكاملية، يسعى كل منها إلى رفد الآخر بأسباب القوة. تلك كانت صفة المرحلة الممتدة من 1948 إلى حرب 1973 – من خلال سلم المكاسب والخسائر والتي نتج عنها الى جانب استمرار الصراع اختلال الوفاق داخل الجبهة العربية بين مصر وسوريا والأردن وذهبت مصر برئاسة السادات إلى تسوية كامب ديفيد، والأردن إلى وادي عربة، فيما استمرت سوريا وفلسطين في قلب الصراع مع العدو وقامت حالة متأرجحة بين الخلاف والتحالف، حكمت العلاقة السورية – الفلسطينية، حتى استقرت هذه العلاقة إلى مشاركة واقعية في حرب 1982، والتي مثلت في الواقع، نهاية مرحلة، وبداية مرحلة أخرى، من تاريخ المقاومة.
تحالف الوهابيّة مع الاستبداد كان مؤشراً لنشوء فكر تكفيري وعروبة شوفينية

كانت السياسة السورية في عهد الرئيس حافظ الأسد تقوم في الصراع العربي – الصهيوني على المعادلات التالية:
ــ الإعداد للحرب؛ والتنسيق بين الحرب النظامية وحرب الفدائيين. ورفض التسوية غير العادلة، وعدم التنازل عن الحقوق العربية وحقوق الشعب الفلسطيني؛ وكانت غاية هذا المسار، الوصول إلى توازن استراتيجي مع العدو، يسمح بتعويض خسارة مصر في جبهة دول الطوق العربي.
كانت سياسة منظمة التحرير الفلسطينية بإدارة ياسر عرفات، تقوم على اعتبار المقاومة الفلسطينيّة جيش فلسطين المشارك في الحرب النظاميّة وحرب الفدائيين. وكان عرفات يعتقد أنه مشارك في حرب تشرين من الجبهة اللبنانية، والذي يسعى إلى مشاركة فعلية في عملية التسوية حول فلسطين، هذه المعادلة النظرية تفسر سياسة منظمة التحرير الفلسطينية من 1973 حتى 1982، والتي انتقلت بعدها إلى معادلات فلسطينية داخلية على تماس مباشر في الصراع مع العدو فوق الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد كانت حرب تشرين 1973 مفصلاً أساسياً في حركة الصراع العربي – الصهيوني حملت كلاً من مصر والأردن إلى إبرام تسويات كامب ديفيد ووادي عربة، وأخرجت مصر من معادلة الحرب على المستوى العملاني وقسمت النظام الإقليمي العربي إلى تيارين:
1) تيار التسوية وإبرام الاتفاقيات.
2) تيار مواصلة الحرب مع العدو حتى تحرير الأراضي المحتلة.
كان ميزان القوى يميل لصالح العدو وعليه، سعى التيار الثاني، إلى توحيد جبهته، ومواصلة الصراع والإعداد للحرب، لتحقيق ما كان الرئيس حافظ الأسد يدعوه إقامة التوازن الاستراتيجي.
في موازاة هذا الاصطفاف مثلت حرب 1982، أوج مرحلة فاصلة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني، فقد استغل العدو تفكك جبهة دول الطوق العربية، لتبدأ الحرب الأهلية في لبنان، وتندفع إسرائيل لإقامة الشريط الحدودي، وشن حروب متتابعة ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، في حرب 1982 التي أدت إلى احتلال الجنوب والبقاع الغربي، وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وتفكك جبهة التحالف الوطني اللبنانية – الفلسطينية وذراعها العسكرية القوات المشتركة، ودخول لبنان في مفاوضات 7 أيار الشهيرة، عله يلتحق بجبهة إبرام التسويات غير العادلة مع العدو، فيما ترزح الأرض اللبنانية تحت الاحتلال.
كانت بيروت العاصمة العربية الثانية بعد القدس التي يحتلها العدو، وتدفقت جيوش الدول الكبرى، لتكون شاهدة على انهيار الجبهة اللبنانية – الفلسطينية ودفع القوات السورية إلى مناطق البقاع الحدودية، وانقلاب موازين القوى الداخلية بانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية. فيما مثلت زيارة ياسر عرفات إلى مصر، إشارة صريحة إلى الخيارات الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وانقسم الوضع الفلسطيني على نفسه، ولكن المتغير الأكثر بروزاً بعد حرب 1982 كان، انتقال مركز ثقل المقاومة الفلسطينية إلى داخل فلسطين، وقيام السلطة الفلسطينية، بعد اتفاقية أوسلو، ونشوء المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، لحمل راية المقاومة، في مرحلة شديدة الخطورة، متفاوتة ميزان القوى دفعت المشهد إلى معادلات جديدة وتحالفات موضوعية بين القوى السياسية، واصطفافات مرتبطة بدورها بمتغيرات عميقة، في النظامين الإقليمي العربي والإسلامي والنظام الدولي.
لا تكفي النظرة إلى الانقسام العمودي للنظام الإقليمي العربي لفهم موضوعي لأحوال هذا النظام، وعليه يلزم النظر إلى الانقسامات الأفقية، وإلى العلاقات التي تربط النظام العربي بدائرته الإسلامية الكبرى، وإلى علاقته بالنظام الدولي.
كان انتقال مركز الجامعة العربية إلى تونس إشارة إلى خروج مصر، ومقاطعتها، ولكن الأوضاع الداخلية للدول العربية وسياساتها كانت متوزعة بين الأحوال التالية:
كانت السعودية قد بدأت تعدّ مجموعات «المجاهدين العرب» للقتال ضدّ القوات السوفياتية في أفغانستان، بإشراف مباشر من الإدارة السياسية والعسكرية الأميركية، وابتعدت عن فلسطين وقضيتها، إلّا ما كانت تبذله لإقناع بعض الفلسطينيين والاستفادة من تجربتهم في حرب «المجاهدين» في أفغانستان. وقد جرّ هذا الموقف بعض الحركات السياسية الإسلامية لمهادنة النظام المصري إلى حين، والسكوت على اتفاقية كامب ديفيد. وهذا يفسر موافقة نظام الإخوان بعد سقوط مبارك على استمرار مفاعيل هذه الاتفاقية والتركيز على الواجب الأفغاني وكان المغرب العربي، يترنح تحت أزمة الحرب الأهلية في الجزائر، بين الجيش والإسلاميين، ورزوح ليبيا تحت حكم القذافي الاستبدادي، وكذلك تونس تحت حكم ابن علي وتشدّد المغرب ضدَّ الإسلاميين مع استمرار مشاكله مع الجزائر واهتمام الحركات الإسلامية السياسية في المشاركة النسبيّة بحرب أفغانستان، وتلقي المساعدات السعودية لنشر الدعوات الوهابيّة في حواضر المذاهب السنيّة الأربعة، فيما استطاع اليمن السعيد أن يحقق وحدته، ولكن تحت أنظار النفوذ السعودي والمدارس الوهابيّة وشراء ولاء القبائل، ونثر بذور المشكلات السياسية والاقتصادية بين قواه السياسية التي اقتتلت في حروب متتابعة بإشراف سعودي مباشر، فيما نمت مظاهر التسلح الخليجي، وتحوّلت إلى مراكز قوى للدول الكبرى وقواعدها العسكرية هذا في الوقت الذي كانت فيه باكستان مشغولة بالحرب الأفغانية، والصراع مع الهند، وتلقي المساعدات السعودية والدعوة الوهابية، وكانت تركيا تسعى جاهدة لدخول السوق الأوروبية والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وإذا كانت حرب أفغانستان، ونسيان فلسطين، هما العاملان المشتركان للصعود الوهابي، فإن التحالف الوهابي – الغربي، تلاقى على دعم حرب صدام حسين على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي، غير المحدود لهذه الحرب العدوانية المفروضة على إيران.
كان مؤتمر القمة العربية في عمان والذي ولد الانتفاضة بعد الإهانة العلنية لياسر عرفات داخل المؤتمر على بعد خطوات من القدس، ومن بعده القمة الإسلامية في داكار – السنغال، وبروز دور السعودية وتبعه مؤتمر القمة العربية في الرباط والذي هدد فيه صدام حسين أنه يمتلك عشرات الفرق العسكرية الأمر الذي قاد فرق صدام لاحقاً إلى احتلال الكويت، وعليه كان المشهد قبل غزو الكويت صورة مضافة عن تحالف إقليمي عربي وإسلامي ودولي، لدعم حرب المجاهدين في أفغانستان، وحرب صدام حسين في إيران. الفلسطينيون أنفسهم كانوا في حالة حيرة قاتلة جعلتهم غير قادرين على اتخاذ الموقف المناسب من هذه الحرب، ولم يستطيعوا الوقوف على الحياد، الأمر الذي أربك الواقع الفلسطيني في لبنان وأدى إلى أسوأ المواجهات في حرب المخيمات وغيرها. المحصلة العامة: ان تحالف الوهابيّة مع الاستبداد والتبعية كان مؤشراً لنشوء فكر تكفيري وعروبة شوفينية مع تسويق الحروب الداخلية ودعم ونشر حركات الإرهاب.
هذه هي صورة المشهد العربي أواخر القرن الماضي كيف كانت عليه صورة المشهد الإقليمي والدولي؟
كان المشهد الدولي، في مرحلة جني حصاد الصراع في الحرب الباردة، بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أثمرت عن تفكك الاتحاد السوفياتي، وإعلان قيامة النظام الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وما أعقبه من تفكك دول المنظومة الاشتراكية وحرب البلقان، ووحدة ألمانيا، واستقلال «الجمهوريات الإسلامية السوفياتية» السابقة.
في هذا الوقت جعلت الثورة الاسلامية في إيران، هذا البلد الاسلامي العريق، في قلب المعادلات الإقليمية والدولية.
لقد مثلت إيران قوة أساسية في ميزان المعادلة الدولية الجديدة. مفادها أنه في الوقت الذي تنكشف نتائج الصراع الدولي عن غالب ومغلوب بين المعسكرين، تنشأ في قلب آسيا قوة إقليميّة، تقول إن هذا العالم لا يمكن أن يحكم بهيمنة طرف واحد، وأنه لا بد من المشاركة الدولية الحقيقية في إدارة النظام الدولي، وبناء العلاقات الدولية على قوانين التعارف والتعاون، وتبادل المصالح والقيم.
واجهت إيران الحرب المفروضة، ونظام الحصار والعقوبات وأعلن الإمام الخميني ضرورة التوجه إلى فلسطين، وتشكلت وحدة جيش القدس، وقدمت إيران الدعم غير المحدود لكل من سوريا والمقاومة الإسلامية في لبنان، وكذلك المقاومة الإسلامية في فلسطين، في الوقت الذي كان بإمكان إيران أن تتجه نحو محيطها الآسيوي الإسلامي لما يربطها مع هذا المحيط من علاقات لغوية وحضارية ودينية، وكذلك دائرة المصالح الواسعة المرتبطة بأمنها القومي وقد لدغت من الجحر العربي في حرب لعلها من أقسى الحروب وأمرّها. نشأت نتيجة هذه الأوضاع والوقائع والمتغيرات أحلاف إقليمية ودولية، نتحدث عنها اليوم بأسماء وعناوين معروفة، تجمع كلاً من سوريا وإيران ولبنان وفلسطين والعراق واليمن مدعومة على المستوى الدولي من وروسيا والصين ودول أخرى في هذا العالم، مع الحلف الآخر الغربي الأوروبي والأميركي، والدول العربية السائدة في دائرة محور الدعوة الوهابيّة. السؤال الاشكالي حول قيام هذه المحاور هو التالي: هل ترتكز هذه التحالفات إلى أسسٍ موضوعية، لها علاقة بأوضاع الصراعات ومصالح البلدان والشعوب، أو أنها مجرد تحالفات أنشأتها ظروف استثنائية وروابط طائفية او مذهبية او اتنية او وأهواء أشخاص قيد لهم أن يكونوا في موقع القرار؟
نذهب، على وجه اليقين أن هذه التحالفات تقوم على أسس موضوعية مرتبطة بوحدة المصالح والقيم والتعاون والمشاركة في إدارة شؤون الشعوب والدول المستقلة.
سأقدّم الدليل على ما ذكرته بتقديم الجواب على السؤال التالي: هل الحلف بين سوريا والمقاومة في لبنان وفي فلسطين كان حلفاً موضوعياً؟
قلنا إن حرب 1973 أدت إلى خروج مصر والأردن وبقاء سوريا وحدها في حلبة الصراع مع العدو الصهيوني تشاركها منظمة التحرير الفلسطينية وساعد هذا الحلف إدارة حرب لبنان، وحروب المقاومة في الجنوب اللبناني، مع ما تخلل هذه المرحلة من منغصات معروفة لا محل لذكرها.
وبعد 1982 خرجت المقاومة من لبنان إلى فلسطين (الضفة والقطاع) وإلى تونس واليمن والجزائر، ونشأت المقاومة الإسلامية.
كانت سوريا ولبنان تتشاركان في ما يلي:
1) وجود أراضي سورية ولبنانية ترزح تحت الاحتلال الصهيوني.
2) استمرار الصراع السوري مع هذا العدو.
3) العلاقات الاستثنائية الجيوسياسية والإنسانية المتعددة التي تربط سوريا ولبنان.
4) تفرع هذا الوضع السوري اللبناني، عن مسار الصراع مع العدو الصهيوني، بعد احتلاله فلسطين عام 1948.
5) الحلف الذي كان يربط كلاً من سوريا والمقاومة الفلسطينية والوطنية اللبنانية بالاتحاد السوفياتي.
6) الموقف السوري من مساندة إيران ضدّ حرب نظام صدّام حسين.
7) أهمية بقاء الأولوية للصراع مع العدو الصهيوني على حرب أفغانستان.
8) أشكال العلاقات المتفاوتة مع النظام الدولي والغرب الأوروبي – الأميركي وكذلك مع النظام الإقليمي العربي وانتشار وصعود الدعوة الوهابيّة.
كل هذه الأسباب تجعل من هذا التحالف تحالفاً موضوعياً يقوم على أسس ترابط نظام المصالح والقيم المشتركة، ومواجهة العدو المشترك، وليس وليد ظروف استثنائية ولا أسباب خلاف المصالح الوطنيّة.
دليل آخر يتعلق بالجواب على السؤال التالي: هل التحالف بين هذا المحور العربي وايران تحالف موضوعي تمليه المصالح الوطنية والقيم الانسانية المشتركة ذات الصلة؟
قلنا إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعرضت لعدوان الحرب المفروضة وللحصار والعقوبات، وأنها، يممت وجهها إلى القدس في فلسطين وإلى جنوب لبنان المحتل وقدمت الدعم للمقاومة، وكان الموقف السوري من الحرب المفروضة على إيران، كاسراً تحالفاً عربياً مهيناً وغريباً، حمل العلاقات السورية الإيرانية إلى مراتب تحالف متين وصادق، وقدّم الدعم لسوريا، وأثمر الدعم الإيراني لسوريا ولبنان، انتصار المقاومة وللفلسطينيين نشوء مقاومة إسلامية في فلسطين، حررت قطاع غزة. واجه هذا الحلف السعي العربي لجذب الفلسطينيين إلى حروب خارج فلسطين وأعاد الأولوية لمركزية القضية الفلسطينية عند العرب والمسلمين. كان موقف إيران من فلسطين اختلافاً مع مسار إسلامي تحريفي تدعمه الوهابيّة لإبعاد المسلمين عن القضيّة الفلسطينية، وإنتاج حركة غريبة عن الإسلام تنشر الإرهاب والتكفير والجهل والقتل والكراهية. كان هذا حلفاً عربياً – إسلامياً بكل مقاييسه المعتبرة.
لقد أثمرت علاقات التحالف السوري – اللبناني والفلسطيني، مع الجمهورية الإسلامية في إيران استمرار المقاومة ضد العدو الصهيوني في الجنوب، وأثمرت تحرير بيروت، وجبل لبنان، ثم تحرير الجنوب والبقاع الغربي في 25 أيار 2000، كما أثمرت فرض إيقاف الحرب الأهلية اللبنانية واتفاقية الطائف وإعادة الإعمار. وأهم ما أعطته المقاومة الإسلامية في لبنان من خلال حلفها الموضوعي مع إيران وسوريا، هو تعديل ميزان القوى مع العدو الصهيوني لصالح العرب والمسلمين، على مستوى الحرب التقليدية.
لقد شهد كل من النظامين الإقليمي العربي والإسلامي والنظام الدولي، متغيرات كبرى في السنوات الآنفة من الألفية الثالثة، لكن ما تحقق نهاية القرن العشرين كان على وجه اليقين، انتصار المقاومة وتحرير الأرض، وقيامة لبنان في عالم، عاد فيه الإرهاب من «الجهاد في أفغانستان» إلى تخريب الثورات العربية، والحرب على سوريا وعلى المقاومة، والحرب العدوانية على اليمن واحتلال البحرين وإيقاظ الفتن الإثنية والطائفيّة والمذهبيّة، وهذه التحديات لا تواجه، على وجه اليقين إلا بالمقاومة.
استكمل الانتصار والتحرير عام 2000 فعل المقاومة في مواجهة التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، وحقق الانتصار التاريخي في حرب تموز 2006، ومواجهة الإرهاب والتكفير، والدفاع عن مصالح حركة الثورة والتقدم، والإصلاح والعدالة والحريات في العالم العربي والإسلامي، وكذلك السعي إلى مشاركة فعالة للعرب والمسلمين في إدارة شؤون هذا العالم. تلك هي النتائج الموضوعية لانتصار التحرير عام 2000 في مرحلة فاصلة واصلة بين قرنين. حلف المقاومة نحن في أشد حاجة إليه اليوم، هنا والآن كما في الأمس...
* كاتب، وزير لبناني سابق