وجّه ديديه دروغبا، لاعب منتخب ساحل العاج وأسطورة نادي «تشيلسي» لكرة القدم، نداءً إلى شعبه عقب تأهل بلاده إلى كأس العالم عام 2006 لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات. ربما ليست مصادفة أن تنتهي الحرب بعد ذلك النداء بستة أشهر، إذ لا يمكن الاستهانة بتأثير اللعبة الشعبية الأولى في العالم «كرة القدم» على مشاعر الملايين من البشر، مع أن قرار إنهاء الحرب يعود إلى قرار دولي كما جرت العادة في التاريخ.

ولم يكتفِ دروغبا بإدخال الفرح إلى قلوب الفقراء، فقد أدخل نشوة الانتصار إلى جماهير أغنى حي في مدينة لندن حيث نادي «تشيلسي»، حين سجل هدف التعادل في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا 2012 قبل انتهاء المباراة بدقيقتين، كما سجّل ديديه آخر ركلة جزاء ترجيحية، والتي رجحت تشيلسي لأول لقب لدوري أبطال أوروبا بتاريخه.
ولد دروغبا في أحياء ساحل العاج الفقيرة من أبوين فقيرين، وانتقم من واقعه عبر كرة القدم، والآن يُعتبر بطلاً قومياً لشعبه، فساهم في بناء خمسة مستشفيات في بلده والعديد من المشاريع الإنمائية من ماله الخاص، أطلقت عليه والدته لقب «تيتو» تيمناً بالزعيم اليوغسلافي السابق. ومن سبيل المصادفة فساحل العاج ويوغسلافيا عاشتا حروباً محلية وإقليمية ودولية، تماماً كما يحدث الآن في سوريا والعديد من دول العالم الثالث أو «العالم السفلي» كما تسميه الدول «المتقدمة». فنحن كسكان للعالم الثالث، تكون أرضنا وخيراتنا عبارة عن ملعب لكرة القدم الدولية، تتنازع فيها الدول الكبرى على شكل «لعبة» دولية سياسية، غير آبهين بمصير الملايين من البشر القتلى والمشردين والمعذبين في الأرض بسبب الحرب.
لكن للبشر لعبةً تجعلهم يلتفون على حكم الإعلام و«نخبة» دول العالم على بلد بأنه إرهابي أو دموي أو شعبه يتسم بذلك. الرياضة واحدة من تلك الألعاب «الشريفة»، فالإنجازات الرياضية تثبت بأن الشعوب تُدخل السعادة إلى منازل مليارات الكرة الأرضية عبر إنجاز رياضي، فمثلاً صدر الإعلام صورة واضحة، لمعظم شعوب العالم، بعد تقسيم يوغسلافيا عن «وحشية الصرب» في الحرب اليوغسلافية، لكنهم نادراً ما يذكرون حلف «شمالي الأطلسي» وأميركا ودورهما في تغذية هذه الحرب. كل ذلك لم يمنع صربيا بعد الحرب من تصدير الإبداع في مجالات عديدة، فالآن من النادر ألا تسمع بالصدفة حتى لو لم تكن مهتماً برياضة التنس، بأن الصربي دوجوكوفيتش هو المصنف أول عالمياً في تلك اللعبة.
دوجوكوفيتش يقول غاضباً في إحدى مقابلاته في عام 2013 لوكالة الأنباء الألمانية: «لقد أساءت الصحافة كثيراً إلى صربيا خلال الأعوام العشرين الماضية، فعادةً ما يكون هدف الصحافة في أي مناسبة يتم فيها التحدث عن صربيا هو التركيز على الجانب السلبي مثل العنف والجرائم وكل هذه الأمور، ولا شك في أنني لا أدعم مثل هذا الأمر بل إنني أود تغييره، كأي شخص قادم من هذا البلد».
الرياضة تخرج من القرى والأحياء الفقيرة الممحية على خريطة الكرة الأرضية، ومعاناة وكفاح هؤلاء البشر الذين يعيشون في «العالم السفلي» من العالم، يخرجون باستمرار، بإبداعات يراها ويستمتع فيها مليارات البشر في كل يوم.
السورية غادة شعاع مثال آخر، غادة لاعبة وبطلة ألعاب قوى سورية ولدت في بلدة محردة في محافظة حماة في سوريا. وعرف العالم البطلة السورية حين استطاعت الحصول على ذهبية المسابقة السباعية الدولية وبطولة العالم عام 1995 وبطولة العالم في أولمبياد أتلانتا عام 1996، فأصبحت شعاع من أفضل الرياضيين في العالم.
وفي هذه السنوات التي تشهد حروباً أهلية ومحلية وإقليمية ودولية يذهب ضحيتها يومياً عشرات البشر بسبب المصالح الدولية والحرب الباردة لزعماء الأرض، لا يمكن لأي سياسي أو مثقف أو مفكر أن يؤثر سوى في بضعة ملايين على الأكثر، لكن الرياضة وحدها التي تؤثر في مشاعر مئات الملايين من البشر، وتدخل الفرح في القلوب. ما الذي يمكن أن ينهي مثلاً الحرب في سوريا؟ وما الذي يمكن أن يجمع كل السوريين على شيء واحد؟
ربما إنجاز آخر لبطل أو بطلة مثل غادة شعاع، بالإضافة إلى إمكانية وصول سوريا إلى كأس العالم لكرة القدم 2018، عندها يمكن لـ«دروغبا السوري»، وليكن لاعباً للمنتخب السوري لكرة القدم، مثل سنحاريب ملكي أو عمر السوما أو فراس الخطيب وجهاد الحسين وكثيرين، أن يوجه ذلك النداء. لكن للأسف لأسباب لا تتعلق بالرياضة، تُمنع نوعية اللاعبين السوريين الموهوبين من دخول المنتخب الوطني بسهولة، لأسباب عديدة يتصدرها فساد اتحاد اللعبة في سوريا.
لكن حتى ورغم ذلك، عندما يستطيع المنتخب السوري بلاعبيه الحاليين «بمن حضر»، والمشاركين في التصفيات المؤهلة لكأس العالم، توجيه نداءهم للشعب السوري لإنهاء الحرب والعيش بسلام، عندها ربما ستفعل كرة القدم «الرياضة الأكثر شعبية في العالم» ما عجزت عنه كل الوسائل الأخرى لإنهاء معاناة شعب بأكمله.
ولكن يبقى التساؤل، من هو «دروغبا السوري» القادر على أداء حلم كهذا في ظل فوضى الحرب؟!
على الشعب السوري انتظار دروغبا للخروج من الحرب التي لا تنتهي!

* صحافي وكاتب سوري