كالعادة، كانت تركيا من أوائل الدول التي دانت «صفقة القرن» التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، من واشنطن. ولا تدع أنقرة مناسبة تتعلّق بالقضية الفلسطينية إلا وتُسارع إلى التعبير عن تمسّكها بالحقوق الفلسطينية. هكذا فعلت لدى إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك ضمّ الجولان إليها، بل دعت حينها إلى عقد قمّة لـ«منظمة التعاون الإسلامي» في إسطنبول. وتستدعي تركيا، من وقت إلى آخر، سفيرها في إسرائيل، احتجاجاً على سياسات الأخيرة. لكنها فاجأت الجميع، في 27 حزيران/ يونيو 2016، عندما وقّعت اتفاقاً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وطيّ حادثة مرمرة التي قُتل فيها 9 أتراك. وأهمّ ما في تلك الاتفاقية هو تخلّي تركيا عن شرط رفع الحصار عن قطاع غزة، وتقييد حركة بعض قادة «حماس» الموجودين في تركيا. وعلى رغم الخطوات الإسرائيلية اليومية في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، فإن العلاقات التركية - الإسرائيلية لم تعرف تراجعاً، واستمرّت في التحسّن، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، حيث قارب حجم التجارة المتبادلة في العام 2019، 6 مليارات دولار. كذلك، ارتفع عدد السائحين الإسرائيليين إلى تركيا من 294 ألفاً عام 2016 إلى 380 ألفاً عام 2017، و 443 ألفاً عام 2018، فيما يتوقّع أن تلحظ أرقام 2019، التي لم تعلن بعد، زيادة عن سابقتها. وتأخذ شركة الخطوط الجوية التركية حصة كبيرة من المسافرين الإسرائيليين إلى العالم عبر تركيا. كما وقّع بنك «هابوعاليم»، أحد أكبر المصارف الإسرائيلية، اتفاقية في كانون الأول/ ديسمبر 2018 مع شركة الطيران التركية لإصدار بطاقة ائتمان مشتركة.
تناوب المسؤولون الأتراك على التنديد بـ«الصفقة»

مع إعلان «صفقة القرن» مساء الثلاثاء الماضي، تناوب المسؤولون الأتراك على التنديد بها. الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أعلن أنه تحدث مع الرئيس الأميركي طالباً نصّ الخطة، ومن بعدها «نعلن الموقف». لكن على ضوء ما ورد في التصريحات المعلنة لترامب ونتنياهو، رأى إردوغان أن «الخطة تشريع للاحتلال»، قائلاً إنه «لو تخلّى كلّ العرب عن فلسطين فهو لن يتخلّى عنها وسيحمي القدس». كذلك، عقد البرلمان التركي جلسة أصدر بعدها بياناً وقّعت عليه الأحزاب الخمسة الرئيسة، عرض فيه للقضية الفلسطينية، وختم بالقول: «إننا نعتبر أن ما يسمى خطة السلام التي نشرتها الولايات المتحدة يفاقم عدم الاستقرار والصدامات، وكأنها غير موجودة، وندينها بكل أسف». وإذ شددت وزارة الخارجية على أن القدس «خطّ أحمر»، رفض إبراهيم قالين، الناطق باسم الرئاسة التركية، الخطة لأنها من طرف واحد ولا تحترم القوانين الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني. وأصدر حزب «الشعوب الديموقراطي» (الكردي)، بدوره، بياناً دان فيه الصفقة، واصفاً إياها بأنها «صفعة لفلسطين وتحمل معنى احتلالها من جديد»، معتبراً أنها «بعيدة من أن تحمل حلّاً ديموقراطياً وعادلاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي». وأنهى بيانه بالتأكيد «أننا إلى جانب النضال المشروع والمحق للشعب الفلسطيني المظلوم».
ووصف الكاتب مصطفى قره علي أوغلو، في صحيفة «قرار»، الخطة بأنها «إهانة وقلة احترام»، ليس فقط للشعب الفلسطيني بل لكلّ الشعوب المسلمة. وانتقد مواقف الدول المسلمة، قائلاً إنه «إذا كان يعني لأميركا وإسرائيل مساندة دول صغيرة مثل قطر والبحرين وعمان للخطة، فإن صمت الدول المسلمة الكبيرة له معنى أيضاً. ولم تجد أيّ دولة حتى الآن حاجة لتأليف مجموعة عمل من 3-5 دول لمواجهة المخططات الإسرائيلية». من جهته، كتب حاقان باش، في صحيفة «قرار»، أن قضية فلسطين تحوّلت إلى «مادة للمتاجرة» داخل كلّ دولة مسلمة، ما يعكس بؤس القيادات المسلمة تجاه ما يسمونه «قضية الأمة». أما إبراهيم قره غول، رئيس تحرير صحيفة «يني شفق» الأكثر قرباً لإردوغان، فعكس مناخاً شديد العداء لـ«المحمّدين»: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. ورأى قره غول أن الخطة هي «نتاج لخيانة بعض الزعماء العرب»، وفي مقدمهم الأميران المذكوران. وعاد بالذاكرة إلى الحرب العالمية الأولى، معتبراً أن الذين خانوا فلسطين والقدس قبل مئة عام وطعنوا، بالتعاون مع إنكلترا، الدولة العثمانية من الظهر، هم أنفسهم الذين يبيعونها اليوم. وأضاف: «لقد ضربوا العثماني قبل مئة عام، وها هم أنفسهم بعد مئة عام يقومون مع الولايات المتحدة وإسرائيل بضرب تركيا في كلّ زاوية من هذه الجغرافيا».