قد لا نشهد تداعيات عسكرية مباشرة في ما يتعلّق بالاعتداءات الإسرائيلية، لكن الواضح أنّ ما جرى ردّ على كل الدعوات والرهانات على تفكيك التحالف الإيراني ــ السوري، وفيه كشف عن وهم انسحاب إيران من سوريا بالمفهوم الذي تقصده إسرائيل، لأنها تدرك أن أعداد المستشارين الإيرانيين متواضع جداً. وبالمناسبة، ما تنقله بعض وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية عن سقوط شهداء في صفوف «حرس الثورة» نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية لا أساس له سوى ما حدث عام 2018، وقد تم الردّ عليه. منذ ذلك الحين، بقيت الاعتداءات مضبوطة ضمن سقف معادلة مُحدّد. أيضاً تحضر الرسائل والأهداف التي تعلنها إسرائيل بشأن إخراج إيران من سوريا، وهي تهدف في الواقع إلى تجريد الأخيرة من تحالفاتها للاستفراد بها، بعدما ثبت أن هذه التحالفات عامل قوة لجميع أطراف محور المقاومة في مواجهة الهيمنة الأميركية والخطر الإسرائيلي، وبعدما ساهمت في إنقاذ دمشق من السقوط بيد الجماعات الإرهابية، وإنتاج نظام معادٍ للمقاومة يستكمل بناء الحزام الأمني الإقليمي حول كيان العدو.
ليس بالضرورة أن نشهد تداعيات عسكرية مباشرة في صدّ الاعتداءات
مع ذلك، من الواضح أنّ التوقيع على الاتفاقية يسلّط الضوء على أحد الخيارات والأوراق بحوزة الطرفَين السوري والإيراني، بل باستطاعتهما تطويرها ودفعها نحو مستويات قادرة على إرباك المعادلة التي نجح العدو في بلورتها منذ بداية الأحداث عام 2011. حين استطاع أن يُحدث اختراقاً في معادلة الردع القائمة قبل تلك السنة. منذ ذلك الحين، يواصل العدو اعتداءاته التي أخذت أبعاداً وأهدافاً أخرى. في البداية، كانت الاعتداءات مجرّد اقتناص لفرصة انشغال النظام السوري في مواجهة الجماعات الإرهابية من أجل منع تدفّق الأسلحة الكاسرة للتوازن إلى حزب الله في لبنان. أما الآن، باتت تهدف إلى منع تشكل واقع استراتيجي في سوريا يوفر لها مظلة حماية وردع في مواجهة الأخطار المحدقة بمستقبلها، وتحديداً الخطر الإسرائيلي، وأن تشكل رأس حربة لمحور المقاومة في مواجهة واشنطن وعمقاً استراتيجياً لفلسطين ومقاومتها. والسيناريو الأخطر على كيان العدو هو ترجمة هذا الاتّفاق عبر تعزيز منظومة الدفاع الجوي السوري بما يُمكِّنها من أن تشكّل تهديداً جدياً على سلاح الجو الإسرائيلي، وهو أمر سيكون له تداعياته المفصلية على مجمل المعادلة في سوريا والمنطقة.
أما على المقلب الإيراني، فما جرى يشكل رسالة مضادّة بأن لدى طهران المزيد من الخيارات التي تستطيع بها جبي أثمان مؤلمة جداً من العدو، وبما يتلاءم مع متطلبات ومصالح شعوب المنطقة التي تعاني من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. وعلى مستوى النتائج، لهذه المحطات رسائلها وتداعياتها المتّصلة بمعادلات أخرى تتصل بالدور الروسي المساعد لمحور المقاومة في مواجهة الإرهاب والسياسات الأميركية في سوريا والمنطقة. يحضر في هذا السياق أن المنظومات الدفاعية الجوية الروسية لم تُستعمل في حماية السماء السورية، وهو أمر مفهوم في سياقاته وخلفياته. كما لا يخفى أن لهذه المحطة الإيرانية ــ السورية رسائلها أيضاً الموجهة إلى قوى إقليمية، عبر القول إن إيران إلى جانب سوريا في كل الملفات التي تمسّ سيادتها وأمنها وقوتها. السقف الأدنى في ما جرى هو رسالة إلى كلّ من يؤثر ويتأثر بتطوّرات الساحة السورية، سلباً أو إيجاباً، وبخطوة إلى الأمام، هذا تأسيس لمسار قد يتطور على وقع المتغيرات، وفي مدى أبعد، كأن إيران أرادت القول لكل المتربّصين بسوريا، موقعاً ودوراً مفصلياً في محور المقاومة، أن يكونوا أكثر قلقاً إزاء المدى الذي يمكن أن تبلغه المواجهة.