رام الله | بعد مرور شهر على اغتيال الأجهزة الأمنية الفلسطينية المقاوم في «كتيبة طولكرم»، معتصم العارف، في 2 نيسان الماضي، عادت الأجهزة نفسها لاغتيال مقاوم جديد من «الكتيبة» ذاتها، وهو أحمد أبو الفول، ليكون الشهيد الثاني من «طولكرم» برصاص الأمن الفلسطيني في خلال شهر واحد، والشهيد الثامن من المقاومين بالنيران عينها منذ السابع من أكتوبر. وفي التفاصيل، وبحسب شهود عيان، فإن عناصر الأمن حاصروا، أول من أمس، مركبة أبو الفول قرب دوار السلام في مدينة طولكرم، ثم أطلقوا عليها النيران، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة، ليفارق الحياة بعد نقله إلى مستشفى رفيديا في مدينة نابلس. وعلى إثر ذلك، دفعت السلطة بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى المحافظة، بعد ليلة من الاشتباكات مع مقاومين أطلقوا الرصاص على مقرات المقاطعة هناك.وإذ يندرج هذا التطور في سلسلة من الأحداث الشبيهة التي حصلت خلال الأشهر الماضية، والتي كان من أبرزها محاولة اعتقال قائد «كتيبة نور شمس»، الملقب بـ«أبو شجاع»، نهاية آذار الماضي، فهو يشي بوجود قرار لدى الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله بالمواجهة مع المقاومة في محاولة لاحتوائها وإنهائها. والمفارقة، هنا، أن هذا السلوك السلطوي يتزامن مع اشتداد الاقتحامات الإسرائيلية لطولكرم ومخيّميها، طولكرم ونور شمس، وآخرها وأوسعها قبل أيام حيث تعرّضت المدينة و«نور شمس» لاقتحام دام لمدة 50 ساعة، مخلّفاً 14 شهيداً ودماراً هائلاً. وفي المقابل، لطالما أكّد المقاومون في طولكرم أن معركتهم ليست مع الأجهزة الأمنية، وأن بنادقهم موجّهة إلى الاحتلال، وهم يطالبونها دوماً بالكفّ عن ملاحقتهم واستهدافهم، وقد حاولوا مواجهة تلك الملاحقة بعدة طرق، من بينها إطلاق النار التحذيري على مقرات الأجهزة ومنها مقر المقاطعة، أو تنفيذ عصيان مدني، على غرار ذلك الذي أُعلِن في بداية نيسان الماضي، حيث أغلِقت، آنذاك، جميع مداخل المدينة ومخيم نور شمس بالسواتر الترابية والعبوات الناسفة. لكنّ ثمة شعوراً أهلياً بأن لدى عناصر الأجهزة الأمنية أوامر إطلاق نار بسهولة وتحديداً في مخيّمي طولكرم، وهو ما دلّ عليه، مثلاً، قتلهم، في آب الماضي، الشاب عبد القادر زقدح خلال مواجهات مع شبان تصدوا لمحاولة الأجهزة إزالة عوائق وضعها مقاومون على مداخل مخيم طولكرم.
ينبئ التحريض المستمر على المقاومين بمزيد من التصعيد الذي لن يكون بمقدور أي طرف احتواؤه


وعليه، لا يبدو أن سلطة رام الله في وارد التراجع عن نهجها في ملاحقة المقاومة في مناطق شمال الضفة كافة، ومن بينها مدينة جنين ومخيمها، وهو ما يأتي، وفق مراقبين، في سياق «متطلبات وضغوط أميركية وإسرائيلية تمارس عليها، خاصة إذا ما أرادت لعب أي دور في المرحلة المقبلة». وفي الإطار نفسه، يندرج التحريض المستمر على المقاومين، سواء من قبل الأجهزة الأمنية أو بعض المسؤولين في حركة «فتح»، والذي ينبئ بمزيد من التصعيد الذي لن يكون بمقدور أي طرف احتواؤه، إذ حذّر قائد «كتيبة طولكرم»، أبو شجاع، في رسالة مكتوبة عقب اغتيال أبو الفول، من أن «صمتنا لن يطول، وأن تمادي هذه الأجهزة في عدوانها سيضطرنا لنضع حداً لهذا الصمت. فلا تلومونا بعدها ولوموا أنفسكم وستعلمون نبأه بعد حين».
وكانت كتيبتا «طولكرم» و«نور شمس»، اعتبرتا اغتيال أبو الفول «جريمة مشابهة لما تنفذه قوات الاحتلال من اغتيالات بحق المقاومين أمثال جهاد شحادة وعز الدين عواد وإخوانهما في طولكرم والشيشاني وإخوانه في نابلس». ووصفت الكتيبتان، في بيان، أجهزة أمن السلطة، بـ«الخائنة بما تنفذه من جرائم بشعة وملاحقة وتسليم للمقاومين»، داعية الشعب الفلسطيني إلى «الخروج بمسيرات غضب وعصيان على ما وصفه بنظام السلطة الفاسد». وجاء البيان رداً على ادعاء السلطة، على لسان الناطق باسم أجهزتها الأمنية، طلال دويكات، أن المركبة المستهدفة «أطلقت النار في اتجاه دورية أمنية، ما اضطر عناصرها للرد»، وأن الحادث جاء في إطار «التعليمات المستدامة لدرء المخاطر والتدرج في استخدام القوة المناسبة لحجم الخطر الذي تتعرّض له قوى الأمن»، على حدّ تعبير دويكات.
من جهتها، اعتبرت حركة «الجهاد الإسلامي» أن «هذه الجريمة تخدم العدو الإسرائيلي وتأتي تنفيذاً لأهدافه في مطاردة المجاهدين وملاحقتهم وتصفيتهم»، مضيفة أن «إطلاق النار المباشر على سيارة المجاهد أحمد أبو الفول (...) تمّ بقصد القتل المتعمّد مع سبق الإصرار والترصّد». كما اعتبرت «الجهاد» «ادّعاء الناطق باسم الأجهزة الأمنية بأن الشهيد أحمد قد أطلق النار، محاولة للاختباء من الجريمة الشنعاء». وإذ طالبت «السلطة الفلسطينية بمغادرة موقعها وسلوكها الذي يطارد المجاهدين ويحمي المستوطنين»، فهي أكّدت حرصها «على وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة قوات الاحتلال».
في الاتجاه نفسه، أكّدت حركة «حماس» أن «ملاحقة الأجهزة الأمنية للمقاومين في الضفة الغربية عارٌ سياسي وسقوطٌ وطني لا يخدم إلا الاحتلال»، داعية إلى «الوقوف صفاً واحداً في وجه أدوات الفلتان الأمني، وتوحيد الجهود لمواجهة الاحتلال وجرائم مستوطنيه بحق أرضنا ومقدّساتنا». وقالت «كتائب شهداء الأقصى - شباب الثأر والتحرير»، بدورها، إنها «ترفض كلّ أشكال ملاحقة المقاومين من قبل أجهزة لم تستطع يوماً حماية نفسها وشعبها من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه»، مطالبة بـ«محاسبة قتلة الشهيد أحمد أبو الفول»، و«وقف الحملة الأمنية التي تهدف لضرب المقاومة»، محذّرة من أن «عدم توقفها سيولد انفجاراً في وجه السلطة وأجهزتها، وسيتسبب بنتائج لا تُحمد عقباها».