كل شيء كان يشير إلى أن الحل نضج وأن مجلس الوزراء سينعقد الأسبوع المقبل. وصل التفاؤل إلى حد التساؤل عن إمكان عقد جلستين لا واحدة. لم يكن يبقى سوى إبلاغ النائب السابق وليد جنبلاط بالنتيجة تمهيداً لترتيب الإجراءات التحضيرية. وهذا ما تولاه اللواء ابراهيم، الذي فوجئ برد غير متوقع من جنبلاط، أعاد الأمور إلى النقطة الصفر. فالمصالحة مع أرسلان ليست ما يبتغيه جنبلاط. قراءته السياسية تضع مسألة البساتين بنداً في إطار العلاقة المتوترة مع حزب الله. ولذلك، فإن إصلاح ذات البين مع أرسلان سيقفل باباً من أبواب الخلاف، لكنه لن ينهي الخلاف نفسه. وعليه، كان حنبلاط حاسماً في قراره: طالما أن المشكلة مع حزب الله، فالمطلوب ضمانات من الحزب نفسه بأن لا يحاصره مجدداً. هو بذلك، يحسم النقاش بأن الحزب يفتح معه معركة متعددة الجبهات، لا بد من إيجاد العلاج الجذري لها، حتى تنتهي كل آثارها الجانبية... والعلاقة مع أرسلان بينها.
وافق أرسلان على التخلي عن إحالة قضية البساتين إلى المجلس العدلي... لكن جنبلاط رفض!
صرف الضمانات بالنسبة إلى حادثة الجبل تحديداً، يعني أن يضمن الحزب عدم إحالة القضية على المجلس العدلي. فأي ضمانة أخرى تتعلق بنتيجة التصويت وتعادل الأصوات، وبالتالي سقوط اقتراح الإحالة إلى المجلس لا تكفي، وخاصة أن جنبلاط لا يثق بأن الحريري سيلتزم بحشد كل وزرائه للتصويت معه. حزب الله لم يتجاوب. بالنسبة إليه لا يمكن إعطاء ضمانات في قضية معروضة أمام القضاء. أضف إلى أنه سبق أن أبلغ من يهمه الأمر أنه لم يكن جزءاً من المشكلة ولن يكون جزءاً من الحل، وبالتالي فهو يلتزم بأي حل يوافق عليه أرسلان.
هذا ليس كافياً. اقتناع جنبلاط بأن حزب الله يستهدفه. الأحداث التي يربطها بعضها ببعض توصله إلى استنتاج انتهاء فترة ربط النزاع التي ترافقت مع بداية الأحداث السورية وانخراط الحزب فيها. واقتناعه بأن قانون الانتخاب هو الضربة الأولى التي وجّهها له حزب الله، بالرغم من أن الحزب «حماه» في دائرة الشوف ــــ عاليه. معمل فتوش في عين دارة الذي حصل على ترخيص من وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن، بدا ضربة أخرى، بالرغم من أن الحزب عاد وتخلى عن الوزارة لمصلحة جنبلاط تحديداً، فلم يقدّر الأخير هذه الخطوة ولم يتكفّل عناء التنسيق مع الحزب لإيجاد حل لمسألة المعمل، بل ذهب رأساً إلى إلغاء قرار الحاج حسن (سقط الإلغاء في مجلس شورى الدولة). تلك خطوة لم يبلعها الحزب حينها ولم يبلعها اليوم، لكن لجنبلاط هواجس لا تقف عند حد. أزمة الجاهلية لم يُبرّئ منها الحزب، وكذلك مسألة الشويفات، حيث انتقل المتهم الرئيسي إلى سوريا. وصل به الأمر إلى حد اتهام الحزب بأنه يقف خلف زيارة الوزير جبران باسيل لعاليه، ودائماً تنفيذاً لقرار سوري بتصفيته سياسياً. لذلك كله وأكثر لا يكترث جنبلاط لأي مبادرة ليس حزب الله جزءاً منها... فإما يحصل على ضمانة الحزب، بما يضمن عودة المياه إلى مجاريها بين الطرفين أو فلتغرق كل الحلول.