كما أن لكلّ مجموعة في الحراك شعاراتها وأولوياتها، فلتيار «المُستقبل» أيضاً شعاراته وأولوياته. لا يُشارك جمهور التيار في «انتفاضة تشرين» بصفة منظّمة، بل كمواطنين تحمّسوا لفكرة الثورة. وحالهم كحال جماهير بقية التيارات والأحزاب التي وجدت نفسها فجأة وقد «تحررت» من الثوب الطائفي والمذهبي وانضوت تحت راية واحدة، في مشهد سوريالي لم يعهده لبنان منذ ما قبل الحرب الأهلية. لا يختلف هذا الجمهور في المعاناة المعيشية عن غيره، ولعلّه «يتفوق» في المعاناة لناحية الانتكاسات التي لحقت به. إذ أن عدداً كبيراً ممن شاركوا منه في الحراك، في بيروت وصيدا وطرابلس، ممن كانوا يشغلون وظائف في مؤسسات رئيس الحكومة سعد الحريري التي أُقفلت واحدة تلو أخرى، ناهيك عن هزائمه السياسية المتواصلة منذ ثلاث سنوات بفعل التسوية الرئاسية. مع ذلك، فإن غالبية هذا الجمهور «مع الحراك ومع سعد الحريري في الوقت نفسه»، بحسب كوادر في التيار. هؤلاء يريدون إسقاط العهد وحلفائه والمجلس النيابي، ويؤيدون إسقاط الحكومة لا رئيسها!كُثر من مناصري التيار والمنتمين إليه انضموا الى الساحات مُنذ اليوم الأول. وكان حضورهم بارزاً في بيروت وعكار وطرابلس وصيدا، حيث الثقل الشعبي والسياسي لـ «المُستقبل». غالبيتهم تؤكد أن «المشاركة لا تعني انفكاكاً عن التيار ولا تغييراً في قناعاتهم السياسية». بل هم في الشارع للتعبير عن «الاعتراض على التسوية التي أوصلت العماد ميشال عون الى الرئاسة، وأحكمت قبضة حزب الله والوزير جبران باسيل على مفاصل الدولة من دون أن تكون للحريري ناقة فيها ولا جمل، بالإضافة الى الهمّ المعيشي». وهم غير منزعجين من أجواء الشارع كون «الحريري من أقل الأسماء التي تعرّضت للهجوم، فيما كان لباسيل النصيب الأكبر».
«المستقبل» في قلب التظاهرات لا يُغرّد خارج السرب. يرفع الى جانب مجموعات في الحراك شعار «كلن يعني كلّن»، وشعارات من نوع «إسقاط النظام الطائفي والحكومة». أي إسقاط الحريري؟ «لا». يقول عدد من كوادر التيار لأن «جمهورنا مقتنع تماماً بأن أي حكومة جديدة مهما كانت طبيعتها، سواء كانت سياسية أم تكنوقراطاً، سيترأسها الحريري نفسه». لكنّ لدى هؤلاء شعوراً بأن هناك ثأراً مع العهد عمره ثلاث سنوات يجب أن يؤخذ»، ويعتبرون أن «الحراك هو لمصلحتهم وأنسب توقيت لإضعاف التيار الوطني الحر وحزب الله»!
جمهور التيار في الساحات، كغيره من المجموعات، لا إدارة له ولا رأس. وهو غير منتمٍ الى مجموعة معينة، بل ينزل فرادى أو ضمن مجموعات من الأصدقاء. واللافت أن بين هؤلاء عدداً لا بأس به من الكوادر المعروفين ممن لا يزالون ضمن الإطار التنظيمي ويترددون إلى بيت الوسط. لكن مع الإقرار بأن الناس «ملّت من كل الطبقة السياسية، ولها الحق في التعبير بالطريقة التي تريدها سلمياً».
نزول «المستقبليين» تعبير عن الاعتراض على التسوية الرئاسية


حتى يوم أمس، كانت هناك ملاحظات كثيرة على أداء الحريري لا تُقال علناً. لكن نغمة استجدت تتعلق بموقع رئاسة الحكومة. من بينهم من يقول إن «الجميع انخرط في شعار كلن يعني كلن، ولم يكُن يعارض طلب إسقاط الحكومة خصوصاً أن حصة المستقبل فيها لا تتعدى الثلاثة وزراء». لكن بعد «الجو الذي خرج من بكركي بأن رئاسة الجمهورية خط أحمر، عاد المستقبليون في مكان ما ليلتفوا حول الحريري شخصياً»، من دون أن يعني ذلك خروجهم من الساحة أو انشقاقهم عن الحراك «ما دام ضمن الحدود».
هذا الواقع لا يُنسي جمهور التيار «أعداءه» ضمن البيئة الواحدة «ممن يحاولون ركوب موجة الحراك لإسقاط الحريري». ويتهم هؤلاء عدداً من الرؤساء والوزراء السابقين بالوقوف وراء استهداف رئيس الحكومة من خلال دعم صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لبث فيديوهات وأخبار تحريضية على الحريري «لرهانهم على تطورات يُمكن أن يتحولوا معها الى بدائل، لذلك يبدون أكثر المتحمسين للمشهد الحالي».