للمرة الأولى منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، تخرج مؤشرات تدلّ على «حلحلة ما» في مشاوراته مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وهذه المؤشرات مبنية على معلومات عن ضغوط فرنسية، مورست على الحريري، من أجل خفض مستوى شروطه التي سبق أن رفعها في وجه عون، كتقليص حصة رئيس الجمهورية الوزارية إلى وزيرين اثنين لا أكثر، إضافة إلى عدم إشراكه في تسمية أي وزير آخر. وبحسب مصادر معنية، فإن الفرنسيين وضعوا «ثقلهم» للضغط على الرئيس المكلف، وهو ما أدى إلى وعد من الحريري بأن يقصد بعبدا اليوم بـ«روحية جديدة، ربما تشكّل خرقاً في جدار التأليف». ورفضت المصادر المطّلعة الإفصاح عن أي معلومات إضافية، فيما اكتفت مصادر بعبدا بالقول إن عون سيكون «شريكاً كاملاً في التأليف، وهو ليس متلقّياً لما يقدّمه الحريري».

في هذا الوقت، اندلعت معركة جديدة في الحرب المفتوحة بين الرئاستين الأولى والثانية، بما يُنذِر بتداعيات، وسط خشية مِن انفلاتها في معادلة يصعب فيها القيام بدور الوسيط، وهو ما كان يتطوّع له سابقاً حزب الله حليف الطرفين. بينما يقف اليوم على الحياد في صراع واجهته كباشٌ على ملفات الفساد، فيما جوهره معركة للعهد، ومعركة على العهد بمفعول رجعي.
من جهة رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي سبق أن تحدّث عن سيبة ثلاثية قِوامها هو والرئيس سعد الحريري وحزب الله، وكان أقصى طموحه شطب تأثير الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط من المعادلة، يعود اليوم ليتصارع مع الترويكا التي أجحفته، حيث حان وقت الانتقام ممّن «ساهموا في تدمير عهده» ووقفوا في وجه محاربة الفساد.
أما على مقلب عين التينة، التي تخوض المعركة بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن «إخوة النظام» جنبلاط والحريري، فقد بدأت هجومها المضاد، رداً على سنوات مضت عمرها من عمر تسوية لم تصنعها، سبق أن أعلنَ بري جهاده الأكبر ضدها.
انفجار الصراع المكتوم بين الرجلين، والتي دلّت عليه يوم أمس مقدمة قناة «أن بي أن» الناطقة باسم برّي، صاعقه ملفات الفساد التي تٌفتَح على شاشات تلفزيونية أخرى والادعاءات التي تقوم بها أمام القضاء جهات مقربة من رئيس الجمهورية وتياره، وهو ما تسبّب بغضب كبير في عين التينة التي شهدت اجتماعات مع مسؤولين في الحزب الاشتراكي وآخرين كانوا محسوبين على تيار المستقبل، وخاصة بعد الادعاء على المدير العام لوزارة المهجرين و16 موظفاً بناءً على قانون الإثراء غير المشروع، وفي ظل معلومات تتحدث عن ملفات ستُفتح في وجه المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي.

التدقيق الجنائي أدّى دوراً كبيراً في الكباش الجديد


فقد شنّت القناة هجوماً على عون الذي «دعا الى تفعيل العمل القضائي وعدم التأثر بحملات تستهدف قضاة»، منتقدةً ما وصفته بـ«الازدواجية وصيف وشتاء تحت سقف واحد»، طارحة جملة تساؤلات: «مَن أول مستهدفي القضاء، من عطّل التشكيلات القضائية، ما هي الأسباب ولمصلحة من»؟ «مَن يخنق التشكيلات التي هي أوكسيجين الحياة الوطنية، ثم تقولون للقضاء وهو يختنق إن دوره أساسي في محاربة الفساد. العجب ممن يتحدث بلغة الحريص بعدما سطّر مضبطة إعدام للقضاء».
تقول مصادِر مطلعة إن «برّي اشتكى من أداء عون، مستغرباً ما يحصل»، ولفتت إلى أنه «في الوقت الذي طلب إليه المساعدة في تهدئة جنبلاط للمشاركة في الحكومة يفاجأ برمي الاتهامات والتشهير التي تحصل، كما في الملفات التي تُفتح بشكل انتقائي وضد أشخاص محسوبين على جهات سياسية معينة، فيما يتمّ تجاهل الفساد والسرقة والهدر في مؤسسات ووزارات أخرى يُسيطر عليها فريق الرئيس والمقربون». وتنقل هذه المصادر «اتهامات ضد عون والوزير جبران باسيل بأنهما يستخدمان القضاء لتصفية الحسابات بعد العقوبات التي طالت باسيل بسبب الفساد، وأنهما يحاولان ابتزاز الآخرين في معركة تأليف الحكومة وكل من يضع فيتو على توزير باسيل أو من يحمّله مسؤولية عرقلة التأليف». ورأت المصادر أن «التطورات الأخيرة في ما يتعلق بملف التدقيق الجنائي وما حصل في مجلس النواب بشأن هذا الأمر، وتوسيع التدقيق ليطال كل الوزارات والمؤسسات وعدم حصره في المصرف المركزي كان لها دور أساسي في انفجار الصراع المكتوم بين الطرفين».
في المقابل، تستغرب مصادر مقربة من التيار الوطني الحر هجوم «قناة بري» على عون، وصولاً إلى تحميله مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة. وهي تردّ على تهمة «الانتقائية في فتح الملفات» بالقول إن «القضاء مفتوح للجميع. وببساطة، فليتقدّموا بما لديهم عن وزرائنا والموظفين المحسوبين علينا».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا