يستعجل الرئيس ميشال عون الوصول الى حل في قضية الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. المناقشات عنده تتناول جوانب كثيرة من الملف، بعضها يتعلق بالمفاوضات السياسية مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبقية القوى من جهة، وبعضها الآخر يتعلق بمستوى تعاون الحاكم مع ملف التدقيق الجنائي وحسابات المصرف المركزي. وبعضها الثالث يتعلق بملف التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في لبنان مع سلامة وأفراد من عائلته وفريقه.قبل تكليف الرئيس ميقاتي بتأليف الحكومة، عقدت اجتماعات بين الأخير وبين رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تلتها اجتماعات عقدها ميقاتي مع حاكم مصرف لبنان ومصرفيين كبار. وكان رئيس الحكومة يحاول وضع تصور يخصّ أمرين:
الأول: ما هو موقع الحاكم الشخصي ومدى استعداده للتخلّي عن منصبه، واحتمالية إلزامه التنحّي في ضوء الملاحقات القضائية في لبنان وخارجه؟
الثاني: الإجراءات السريعة التي تتعلق بالسياسات النقدية ووقف تدهور سعر العملة وفتح المجال أمام علاجات ولو جزئية تتيح للحكومة الوصول الى مقترح عملاني لملف الكهرباء، بالإضافة الى دور الحاكم والمصارف في مشروع التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
ميقاتي الذي تواصل خلال تلك الفترة مع جهات خارجية، بينها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بشأن المفاوضات مع صندوق النقد، التقى أيضاً مسؤولين في الصندوق نفسه. لكنه التقى في جلسة خاصة حاكم مصرف لبنان وركّز معه على ملف تدهور سعر العملة. وتقول الرواية إن ميقاتي سأل سلامة: أيّ سعر يمكن أن يكون عليه الدولار في حال تكليفي بتأليف حكومة ونجحت في تأليفها سريعاً مع تغطية سياسية واسعة داخلية وخارجية؟
ردّ سلامة على طريقته التي لا مساءلة لها: يمكن أن ينزل سعر الدولار الى ثمانية آلاف ليرة.
تضيف الرواية إن ميقاتي ابتسم وقال لسلامة: «أقبل بـ 12 ألف ليرة. حضّر ملفّاتك وخطواتك على هذا الأساس».
عون: لا أهتمّ بميول بديل سلامة السياسيّة. أريد ضمانة بأنّه قادر على إنجاز التدقيق الجنائي ووقف التواطؤ على مصالح الناس


ميقاتي ليس ساذجاً، لكنه من أمهر المتحايلين على الكلام والالتزامات والتأويل. وهو استخدم ما دار بينه وبين سلامة في معرض طمأنة فريق رئيس الجمهورية لناحية أن حاكم المركزي قد يؤدي دوراً في تهدئة الأمور، وهو الأخبر والأقدر على ملاعبة المصارف والصرافين والتجار أيضاً. كما أن بيده هندسة التخلي التدريجي عن الدعم. ومع أن فريق الرئيس عون لم يكن ليأخذ كلام ميقاتي على محمل الجد، وجد نفسه مضطراً الى تذكيره بأن سلامة لا يفعل غير الكذب، وعاد الرئيس عون ليرفع السقف مطالباً ميقاتي بالعمل مع الرئيس نبيه بري على وجه التحديد لأجل وضع آلية تتيح خروجاً هادئاً لسلامة من حاكمية مصرف لبنان. وعندما سأله أحدهم: فخامة الرئيس، ولكن من هو بديله؟ ردّ سريعاً: «لا أهتمّ بهويّته وميوله السياسية، أريد ضمانة بأنه متخصص قادر على إنجاز التدقيق الجنائي ووقف التواطؤ مع السياسيين والمصرفيين على مصالح الناس».
بعد كثير من التناتش حول سياسات سلامة النقدية، وصل الرئيس عون الى اقتناع تولّى التيار الوطني تظهيره بصورة علنية في الدعوة الى إطاحة سلامة. لكن السؤال كيف؟
اللافت أن الرئيس ميقاتي نفسه كان يتصرف على أساس أن الأمر ممكن أو هو وارد. بادر رئيس الحكومة الى التواصل مع شخصيات مصرفية مقيمة في لبنان والخارج، والسؤال عن المرشح الأنسب. الأمر نفسه كان الرئيس عون يقوم به، وحصيلة ما قام به الاثنان، لا يعدو حتى الآن حدود إظهار الاستعداد للقيام بخطوة كبيرة. لكنهما وقفا أيضاً عند النقطة ذاتها: هل يبادر سلامة الى التنحي من تلقاء نفسه أو أن تتخذ خطوة في لبنان أو خارجه تدفعه هو إلى التنحي أو تلزم الحكومة اللبنانية بخطوة تحييد للرجل؟ وبعدما ظهر أن سلامة ليس بوارد التنحي من تلقاء نفسه، لجأ الى من يوفّر له التغطية الفعلية، وهو فريق يمتدّ من الرئيس نبيه بري الى وليد جنبلاط، مروراً بسعد الحريري والبطريركية المارونية وحشد من النافذين في القطاعات المالية والاقتصادية الى جانب الموقف الأهم للولايات المتحدة الأميركية.
عملياً، وصل الجميع الى الحائط. وإلى جانب إشهار الرئيس عون رغبته في تطيير الحاكم، بادر حزب الله من الناحية الإعلامية الى شن حملة متواصلة على الحاكم. لكن الحزب أبلغ عون وآخرين أنه لن يكون هو الطرف المبادر الى إطلاق الإشارة، لكنه سيكون داعماً أساسياً لأي خطوة في هذا المجال. وهنا، وجد الرئيس عون أن خلاصه الوحيد يكمن في استخدام الملاحقات القضائية القائمة في لبنان والخارج ضد سلامة لاستخدامها كورقة ضغط لإطاحته. وأضاف إليها أخيراً، المخالفات التي يرتكبها سلامة في التعامل مع ملف التدقيق في حسابات المصرف المركزي.

يبدو أنّ القاضي سهيل عبّود القاضي متخصّص أيضاً في توفير الحماية لحاكم مصرف لبنان


قبل أيام، تلقّت النيابة العامة في لبنان أول نتيجة تعاون من جانب السلطات السويسرية في ملف التحقيقات مع سلامة وشقيقه ومساعِدته. وقد تلقى الجهاز القضائي المعني مراسلة من بِرن تتضمن وثائق لا تقود حتماً الى إدانة سلامة. وما يحتاج إليه القضاء الآن هو وثائق ومعطيات إضافية وأقوى تحسم الجدل حول تورّط سلامة وشقيقه وآخرين، بينهم موظفون بارزون في المصرف المركزي ومصارف أخرى، في تلقي أموال والاستفادة من العمليات التي يشتبه في أن سلامة قام بها بواسطة شقيقه رجا.
وحسب ما هو متداول، فإن دعوى المخاصمة التي تقدم بها بنك «ميد» ضد القاضي جان طنوس، لم تحل دون محاولات حثيثة من جانب الرئيس عون وآخرين لإقناع القضاء بالتقدم خطوة مباشرة باتجاه الادعاء على سلامة، ما يسهّل على الرئيس الطلب الى الحكومة المبادرة الى خطوة تطيح حاكم مصرف لبنان. ويبدو أن الأمر ليس يسيراً بالقدر المتصوّر، وخصوصاً أن القضاء يحتاج الى وقت أطول للتثبت من الملف من جهة، ولكون التحقيق يحتاج الى تفاصيل إضافية واستكمال، بالإضافة الى بتّ الدعوى المقدمة ضد طنوس والتي يظهر أن هناك من يتعمد تأخير النظر بها وبتّها، وهي مسؤولية ملقاة على عاتق رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود المتخصص ليس فقط بحماية المحقق العدلي طارق البيطار، بل يبدو أنه مهتم أو متخصّص أيضاً في توفير الحماية لحاكم مصرف لبنان.