دخلت «العدلية» مرحلة أكثر ضبابية، مع فقدان «الهيئة العامة» لمحكمة التمييز النصاب القانوني (خمسة أعضاء من 10) بإحالة أحد أعضائها، القاضي روكز رزق، على التقاعد، ما سيؤدي إلى تأخير البت في الدعاوى المقدمة إليها بشأن ملفّ تفجير مرفأ بيروت، خصوصاً في حال عدم المسارعة إلى إصدار تشكيلات جزئية لتعيين رؤساء محاكم تمييز أصيلين (تتألف منهم الهيئة)، مع تعذّر إصدار تعيينات قضائية شاملة بسبب الخلافات السياسية.

غيرَ أن البارز كان في إصدار «الهيئة العامة»، قبلَ يوم واحد من مغادرة رزق القضاء، قراراً إعدادياً في دعوى مخاصمة القضاة المُقدّمة ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار من الوكيل القانوني للوزير السابق المُدعى عليه يوسف فنيانوس. القرار الذي اطلعت «الأخبار» على نسخته يشير إلى أن «الهيئة» طلبت إيداعها «صورة عن الكتاب الصادر عن المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان، والذي وجّهه إلى مجلس النواب في موضوع التحقيق العالق لديه»، إضافة إلى «صورة عن قرار الادعاء بحق الوزير فنيانوس»، على أن يُصار في ما بعد لإجراء المقتضى القانوني. ما يعني أن على البيطار، بحسب مصادر «العدلية»، تجميد كل إجراءاته بحق فنيانوس (وحده، لا كل المدعى عليهم) إلى حين صدور قرار نهائي عن الهيئة في الدعوى، وهو ما لن يحصل إلا بعد استكمال أعضائها، الأمر الذي لا يتوقع أن يحصل قريباً.
وفيما يتحدّث سياسيون وقضاة عن أن هذه الخطوة «تحمِل سلبيات وإيجابيات»، شكّك آخرون في مصداقية هذا الإجراء الذي «لا بدّ أن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود يستهدِف منه غايات معينة». إذ دسّ في قرار «الهيئة» الطلب المتعلّق بصوان للتغطية على «التوقيت المشبوه» في إصدار القرار. فبعدَ تأجيل جلسات الهيئة من أسبوع إلى آخر (حتى فقدان النصاب)، تقصّد رئيس مجلس القضاء الأعلى القول إن «الهيئة العامة لم تتأخر في البتّ بالدعوى المقدمة وأنها تنظر فيها ولا تتغافل عن ملفات، وتبحث عن كل ما يفيد لدرس الملف، إلا أنّ تقاعد روكز أوقفها». وخلف هذا القصد، يريد عبود الضغط للمسارعة في البت في التعيينات الجزئية، ليسَ من باب الحرص على العمل القضائي الذي كانَ أحد المساهمين في ضرب صورته، وإنما الضغط على أعضاء مجلس القضاء الأعلى والقوى السياسية للموافقة على تعيين القضاة الذين يزكّيهم، وسبقَ وأن تم التداول بأسمائهم، في محاولة لتأمين فريق عمل قضائي مؤازر له في الهيئة، يأتمر بأوامره.
بسبب الدعم الفرنسي يعتبر عبود نفسه القاضي الذي لا يُمسّ


ويعتقد على نطاق واسع أن خطوة عبود تهدف للتغطية على مخالفات البيطار، فضلاً عن «تطييف» القضية. إذ ليس خافياً أن عبّود كان يعمَد إلى إحالة طلبات الرد ودعاوى الارتياب إلى غرف يرأسها قضاة من طائفة معينة.
في كل الأحوال، ما هو مطلوب اليوم «اجتماع مجلس القضاء الأعلى والمباشرة في التشكيلات الجزئية لتعيين رؤساء محاكم تمييز أصيلين»، وفقَ مصادر في وزارة «العدل»، ليُصار إلى إصدار مرسوم يحمِل تواقيع وزير العدل ورئيسيْ الجمهورية والحكومة، مشيرة إلى أن «الكرة حالياً في ملعب عبّود». غيرَ أن مسعى الأخير (يتجددّ حالياً) يصطدِم بمعارضة أعضاء في مجلس القضاء وقوى سياسية ترفض أسماء القضاة الذين يريد عبود تعيينهم، وتحديداً القضاة ناجي عيد ورندى كفوري وجانيت حنا. وتربط مصادر مطلعة على الملف هذا الرفض بأن «الثلاثة هم عملياً من فريق عبود». مع الإشارة إلى أن حنا وعيد وكفوري سبقَ أن رفضوا النظر في كل الدعاوى المقّدمة ضد البيطار التزاماً برغبة عبّود أو انصياعاً للضغط الدولي. وقالت المصادر إن عبّود من خلال تعيين المقربين منه «يُريد سوْق العدلية وفق هواه»، وما تأخيره البت بدعاوى أمام الهيئة حتى «تعليق عملها» سوى «للضغط على القوى السياسية لتبصم على التعيينات التي يريدها».
ووفقَ معلومات «الأخبار» يحاول عبود إقناع القضاة الذين تقدموا باستقالاتهم سابقاً «بسبب التدخلات السياسية» بالعودة عن هذه الاستقالات، ومن بينهم القاضية جانيت حنا، علماً أن الأمر غير متاح، إذ وافقَ المجلس على كتب الاستقالة وهي في انتظار توقيع وزير العدل هنري خوري الذي يتجه إلى قبولها. فهل يجِد عبّود «مخرجاً» يلتف به على القانون لإلغاء الاستقالات؟
لا شيء يمنَع رئيس مجلس القضاء الأعلى من تجاوز القانون والأصول، وقد فعل ذلك أكثر من مرة، إحداها حماية قاضٍ من المساءلة (البيطار) لارتكابه تجاوزات قانونية. إذ إن عبّود يعتبر نفسه القاضي الذي لا يُمسّ، ولا يجرؤ أحد على إقالته من منصبه (تحديداً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي) بسبب الدعم الغربي الذي يتمتّع به، وتحديداً الفرنسي، وهو الدعم الذي يجعَله يُمعِن في التجاوزات ويتعامل مع أي حديث عن إزاحته باستهزاء!