عقدت لجنة المؤشر اجتماعاً يوم أمس برئاسة وزير العمل مصطفى بيرم، لإقرار الصفقة التي توصّل إليها ممثلو أصحاب العمل والعمال، والتي تقضي بزيادة الأجور مبلغ 600 ألف ليرة فوق الزيادة التي أقرّها مجلس الوزراء قبل نحو شهرين وبقيمة مليون و325 ألف ليرة. كما أن الاتفاق يتضمن زيادة بدل النقل من 65 ألف ليرة إلى 95 ألف ليرة عن كل يوم حضور إلى العمل. ورغم أن الاجتماع كان شكلياً ويهدف إلى تكريس صفقة ترقيع الأجور المتفق عليها، إلا أنه كان لافتاً محاولة المديرة العامة للإحصاء المركزي الخلط بين معدل التضخّم الذي يقيس المعدل الوسطي، وبين ما فقدته الأجور بسبب التضخّم التراكمي خلال الفترة نفسها، وبدلاً من أن تكشف توتاليان عن التضخّم التراكمي الذي تجاوز 825%، حصرت كلامها بالحديث عن المعدل الذي يبلغ 230% فقط.الصفقة التي اتفق عليها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي لزيادة الأجور مرّة ثانية بعد الزيادة الحاصلة في آذار الماضي، أقرّت أمس رسمياً في لجنة المؤشّر. لكن تمرير الصفقة لم يمنع أعضاء اللجنة من «بعض» النقاش. أهمية هذا النقاش كان في مستوى الحضور. فلأول مرّة تحضر المديرة العامة للإحصاء المركزي مرال توتاليان لجنة المؤشّر، وقد برّرت حضورها المتأخر بإحالتها القريبة إلى التقاعد. لكن هذا الحضور كان ضبابياً وتطغى عليه المواربة، إذ إنها قدّمت دراسة عن تضخّم الأسعار تشير فيها إلى معدلات التضخّم البالغة 230% منذ مطلع 2019 ولغاية نهاية أيار 2022. وأشارت أيضاً إلى أن الأسعار تضخّمت بمعدل 27.8% في الأشهر الخمسة الأول من السنة الجارية. كلامها أثار حفيظة الموجودين، ولا سيما الخبراء الذين لديهم معرفة في تقنيات احتساب التضخّم. فالمعدّل لا يصلح لتبيان مدى تآكل الأجور ضمن فترة زمنية محدّدة، بل يصلح لقياس النتيجة الإجمالية لكل شهر من السنة مقارنة مع الشهر الذي يماثله في السنة السابقة. بالتالي فإن النتيجة تكون مضلّلة عندما يصبح الأمر متعلقاً بتصحيح الأجور. فالارتفاعات والانخفاضات في التضخّم الشهري، لن تظهر بوضوح في المعدل السنوي، وإذا دمجت بمعدل لثلاث سنوات تكاد تختفي. لذا، فإن الفرق شاسع بين الواقع الذي يشير إلى أن أرقام التضخم بلغت 825% منذ مطلع 2019 لغاية أيار 2022، وبين المعدّل الذي يدمج كل التقلبات ليظهر منه نتيجة وسطية.
بعض الحاضرين في الجلسة استغربوا، ما اعتبروه، النسبة المتدنية لمعدل التضخّم في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية، ولا سيما أن سعر صفيحة البنزين وحده ارتفع منذ عام تحديداً وحتى اللحظة بنحو 1500% من 45 ألف ليرة إلى 700 ألف ليرة. لذا، يعتقد المطلعون، أن الهدف من إظهار معدل التضخّم المساهمة في تكريس خسائر العمال ونصرة أصحاب العمل عليهم، وإبراء ذمّة أصحاب العمل من تصحيح الأجور مستقبلاً. والصادم يكمن في أن إدارة الإحصاء المركزي تعتمد في تحديد التضخم على «أوزان» أو معايير لقياس كلفة غلاء المعيشة تعود إلى عام 2012! فعلى سبيل المثال كانت كلفة النقل تمثّل 8% فقط من كلفة المعيشة بينما ارتفعت اليوم لتبلغ 60%، بالتالي فإن ارتفاع أسعار النقل سيرفع التضخّم أكثر مما هو عليه حالياً. ويمكن قياس ذلك على أسعار الصحّة والتعليم والاتصالات والإيجارات والغذاء وسواها.