لم يطو النسيان ملف عملاء العدو الإسرائيلي يوماً، بل كانَ دوماً في صلب خطة «المحاربين» لـ«استعادة حقوق الطائفة». إلا أن قضية النائب البطريركي عن القدس والأراضي الفلسطينية المُحتلة راعي أبرشية حيفا المطران موسى الحاج حفّزت هؤلاء على استغلال القضية واستثمارها إلى حدّ التوقف عن وصفهم بالـ«عملاء»، كما طالب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أخيراً.فمنذ مصادرة الأمن العام في معبر الناقورة، بناءً على إشارة قضائية، أموالاً وأدوية في حوزة الحاج قال إنها «أمانات لبنانيين مُبعدين» يرسلونها إلى ذويهم، بدأت حملة مبرمجة للدفاع عن هؤلاء والمطالبة بعودتهم واعتبار ما قامَ به المطران أمراً طبيعياً. وتصدّر الراعي المعركة، فأدارها سياسياً وإعلامياً وقضائياً. وبناء على طلب الراعي نفسه، جاء بيان وزير العدل هنري خوري، في 23 الشهر الماضي، بعد يوم من زيارته لبكركي، حول إعادة تفعيل اللجنة الوزارية التي يرأسها «لمعالجة أوضاع اللاجئين اللبنانيين في إسرائيل»، و«إنشاء مكتب ارتباط مؤلف من قاض من درجة عالية وممثل عن وزارة الدفاع وممثل عن الأمن العام تتلقّى طلبات العودة إلى لبنان عن طريق مؤسسة الصليب الأحمر للموجودين في إسرائيل ومن طريق السفارات اللبنانية للموجودين في الدول الأخرى، للبت في هذه الطلبات».
وعلمت «الأخبار» أن «اجتماعات اللجنة بدأت بالفعل وأن هناك حراكاً داخلياً ودولياً في هذا الاتجاه». وبحسب مصادر مطلعة، «بدأ العمل على درس واقع المُبعدين، خصوصاً أن عدد من غادروا إلى إسرائيل عام 2000، كان يُقدّر بنحو 8 آلاف شخص، أما اليوم فلا يزيد عددهم على 3400، بعدما هاجر معظمهم إلى دول غربية، تحديداً كندا والسويد وألمانيا وحصلوا فيها على جنسيات»، مشيرة إلى أن «الغالبية الساحقة من هؤلاء لا تفكّر في العودة إلى لبنان». ولفتت المصادر إلى أن «ما يجري العمل عليه اليوم هو إعداد تقارير تتعلّق بالموجودين داخل كيان العدو الذين يتراوح عددهم بين 3500 و3700، يقيم معظمهم في المستوطنات الأقرب إلى الحدود الشمالية» مع لبنان. علماً أن مجلس النواب أقرّ عام 2011 اقتراح قانون قدّمه النائب (آنذاك) ميشال عون، نصّ على «عودة المبعدين وفقَ آلية معينة تقضي بألا يكون للعائد ملف عسكري أو أمني بالتعامل مع إسرائيل، والسماح لأفراد عائلات الأشخاص الذين كانوا منضوين في جيش لبنان الجنوبي العودة شرط أن يخضعوا لمحاكمة عادلة، فيما لا تزال المراسيم التطبيقية لذلك القانون قيد الإعداد في وزارة العدل».
يرفض العملاء الخضوع لمحاكمات عادلة رغم أن بعضهم التحق بالخدمة العسكرية مع العدو


ورغم أن عدداً من هؤلاء انخرطوا في المجتمع الإسرائيلي إلى حد التحاق بعضهم بالجيش والشرطة، إلا أن الصدمة هي في الوقاحة التي يتعاملون بها مع مساعي إعادتهم. إذ تبيّن، بحسب متابعين للملف مع الصليب الأحمر الدولي مع البدء بإعداد التقارير عن أوضاع العملاء، أنهم «يرفضون العودة وفقَ آلية المحاكمة»، و«يُطالبون بإقرار قانون عفو عام يضمن لهم التحرك بحرية حينَ عودتهم من دون أي ملاحقة أو تحقيق أو مراقبة». ورغم أنهم يشكون من «رفض المجتمع الفلسطيني تقبّلهم، ومن البيئة الإسرائيلية العدائية»، لكنهم «مهووسون بفكرة أن يتعرضوا لما تعّرض إليه العملاء السابقون». فرغم أن «هؤلاء حظوا بقضاة متساهلين مع جرم العمالة وتلقّوا أحكاماً مخففة، لكن عدداً كبيراً منهم بقي تحت المراقبة وقيد الاستدعاء والتحقيق، وهذا ما لا يريده العملاء الذين لا يزالون في إسرائيل». وقالت المصادر: «السؤال الأساس حالياً للممسكين بالملف هو حول ما إذا كانَ هؤلاء يريدون العودة فعلاً. لأن المداولات مع جهات دولية بيّنت أنهم يضعون شروطاً لعودتهم، وهو ما ينافي مهمة اللجنة التي تتحدث عن محاكمات عادلة لهم بعدَ دراسة أوضاعهم»، ما يحصر الملف في إطار سياسي، مشيرة إلى أن هذا التطور هو نتاج «تحريض القوات اللبنانية ودعم البطريركية المارونية».
وتعتبر المصادر أنّ فتح ملف عودة العملاء في هذا التوقيت الحرج لغم جديد يُسهم في تأجيج الصراع المذهبي، خصوصاً أنّ هناك شريحة لبنانيّة واسعة ترفض عودة هؤلاء تحت أيّ ذريعة، نظراً لما عانته من عمالتهم، بينما هناك جهات داخلية لا توفّر وسيلة في استثمار كل ملف حتى لو كان بوزن ملف العمالة لـ«تقريشه» في استحقاقات مستقبلية.