«ميني انتفاضة» شهدها قبل أسبوعين اسطبل الخيول الذي تحوّل إلى سجن في منطقة القبة في طرابلس. طرق السجناء بأدوات المطبخ على أبواب الأجنحة ورفعوا أصواتهم بالصراخ بعد انقطاع المياه عن السجن لأكثر من 30 ساعة، من دون أن يقدّم المسؤولون وعداً بحل المسألة. ومع بدء التوتّر داخل الأجنحة، سارعت إدارة السجن إلى الاتصال بالدفاع المدني الذي قام بتعبئة المياه للسجن.«وصلنا إلى الانتفاضة، لكننا عُدنا خطوة إلى الوراء حقناً للدماء»، يقول أحد السجناء، مشيراً إلى أن «الانتفاضة مؤجّلة ولكنها ستندلع حكماً»، و«لو تمكن السجناء من فتح أبواب الزنازين لسالت الدماء»، خصوصاً أنّ 5 عسكريين فقط يتولّون أمن السجن بعد تقديم أكثر من عسكري طلب تسريحه بسبب الأزمة. وبالتالي «تمرّدنا على العسكريين الـ 5 وخروجنا من أجنحتنا يعني حُكماً إما أن يقتلونا وإما أن نقتلهم ونهرب».
«الانتفاضة المؤجّلة» التي يتحدث عنها عدد من سجناء القبة منذ أشهر أسبابها لا تحصى، أهمها «أننا في اسطبل للحمير». إذ إنّ السجن بُني في الأصل ليكون اسطبلاً للخيول في عهد الانتداب الفرنسي، وتبلغ قدرته الاستيعابية القصوى 350 سجيناً، فيما يحشر فيه نحو 1000 سجين معظمهم من الموقوفين.
بعض الغرف يتكدّس فيها 60 سجيناً فوق بعضهم البعض


الصور التي يُرسلها السجناء من داخل غرفهم سورياليّة: بعض الغرف يتكدّس فيها 60 سجيناً فوق بعضهم البعض، علماً بأن مساحة كل من الأجنحة الـ 16 (تتوزع على طابقين) لا تتعدى الـ 10 أمتار عرضاً و6 أمتار طولاً، وكل فرشة ينام عليها ثلاثة أشخاص بطريقة التسييف (على الجنب)، فيما يجلس 10 أشخاص في كل غرفة بين الفراغات وعلى أقدام النائمين في انتظار استيقاظهم ليتمكنوا من النوم. ويروي السجناء عن إشكالات يومية بسبب المرحاض، إذ «يكفي أن تتخيّلوا 60 شخصاً يستخدمون المرحاض نفسه، بمعدل خمس دقائق لكل منهم». كما يتم إخراج السجناء دفعة واحدة يومياً (باستثناء يومي السبت والأحد والأعطال الرسمية) إلى «كوريدور» للفسحة لمدّة 5 ساعات تقريباً لتكون الزحمة في أشدّها، ما يمنع على هؤلاء الخروج إلى الشرفة التي لا تتعدى مساحتها الـ 10 أمتار بسبب الإشكالات التي يمكن حصولها.
ويروي السجناء معاناة الأكل «الذي لا تأكله القطط»، فيما أسعار دكانة السجن تفوق أسعار السوق بأشواط، فيما الأدوية منقطعة عن السجن منذ سنة، بما فيها المسكّنات. كما يعدّ إرجاء المحاكمات أحد أهم الأسباب وراء غضب السجناء. فليس تفصيلاً أن يكون داخل السجن 81 فقط ممن صدرت الأحكام بحقهم مقابل نحو 900 موقوف. ويؤكد أكثر من سجين أنّهم أنهوا أقصى عقوبة للتهمة التي ارتكبوها، لكنهم لا يزالون موقوفين لعدم سوقهم إلى الجلسات أو لعدم حضور القضاة. ويكشف بعضهم أنهم لم يتوجّهوا إلى جلسة محاكمة منذ 4 سنوات، وآخرون لم يروا القاضي إلا مرة واحدة خلال مدة توقيفهم التي تتعدى سنتين.