مُعادلات جديدة استوقفت الدوائر السياسية في بيروت، مهّد لها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي أطلّ أمس في كلمة كرّس فيها تباعده عن حزب الله، من دون حرق المراحل والذهاب إلى كسر الجرّة نهائياً. رسم لنفسه دوراً مفصلياً، مؤكداً تموضعه في معسكر «خاص» من دون حلفاء، ثم قام بعملية استطلاع بالنار السياسية لمناخات على صلة بالاستحقاق الرئاسي، وفي انتظار ما سينتج منها، «يبنى على الشيء مقتضاه». ولعلّ الأكثر تعبيراً عن ذلك، اختصره باسيل بقوله إنه «في حال تمّ تعذر الاتفاق على اسم واحد من الأسماء، وبحال لم نلق نتيجة، سندرس المواقف لأي مرشح يصل، شرط أن يتعهّد قبل انتخاب الكتل المؤيدة له بتنفيذ مطالب إصلاحية فيها خير لكل اللبنانيين، وأبرزها قانون اللامركزية وقانون استعادة الأموال المحوّلة وغيرهما. وهذا للتأكيد أنه يهمنا المشروع وليس فقط الشخص».صحيح أن كلمة باسيل هي تكرار لهجومه المعتاد على «المنظومة» وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكنها هذه المرة حملت مواقف جديدة تؤشر إلى تحولات كبيرة قد تشهدها الأسابيع المقبلة:
أولاً، إشارة لافتة حيال مستقبل العلاقة مع حزب الله، بقوله إن التيار «مستعدّ لعقد تفاهم جديد ليس مع الحزب وحسب، إنما مع أي مكوّن جديد تحتَ عنوان بناء الدولة»، رافضاً تسوية الخلافات في الغرف المغلقة لأن «من حق جمهورنا أن يعلم بما يجري»، ما فسر على أنه رد على طلب الحزب أن تبقى المناقشات بين الجانبين بعيدة من الإعلام.
ثانياً، أقفلَ الباب نهائياً في وجه أي محاولة للنقاش بشأن سليمان فرنجية، بالقول إن «ما يحمي المقاومة هي الدولة المحمية والمحصنة من الفساد، لأن مشروع المقاومة لا يجب أن يتناقض مع مشروع الدولة، وأن الناس هي من تحمي المقاومة وليسَ فقط بيئتها».
ثالثاً، أعطى إشارة استعداد للانفصال عن الحزب والذهاب إلى بدائل أخرى، لافتاً إلى أن «هناك أشخاصاً اليوم يخافون على التفاهم وأنا أولهم، وهناك من ينتظر انتهاءه ليشمت. أتوجه للحريصين على التفاهم: ماذا يمكننا أن نفعل بعد وماذا علينا أن نقدم؟ المسألة هي مسألة كرامة ووجود، ومن ليس لديه بديل يموت. ولكن نحن لا نموت».
رابعاً، أشار باسيل إلى أن الانتقال إلى المعارضة خيار وارد في حال «رُفضت كل مساعينا وتأكدت نوايا الإقصاء، وسنذهب إلى الممانعة الشرسة ضد كل المنظومة».
خامساً، للمرة الأولى هاجَم باسيل بشراسة قائد الجيش جوزيف عون الذي «يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية ويأخذ بالقوّة صلاحيات وزير الدفاع ويتصرّف على هواه بالملايين بصندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش». وللمرة الأولى، يؤكد وجود حسابات موازية تعكس في جانب منها رغبة الدخول «رسمياً» إلى نادي المرشحين الرئاسيين، إذ لفت إلى أنه يفكر «جدياً بالترشح لرئاسة الجمهورية للتمسك بأحقية التمثيل، وحتى لو لم تكن لديّ حظوظ، أما إذا كان تنازلنا من دون مقابل ونذهب إلى نهاية الدولة فالأفضل أن نحافظ على حقنا».
وبينما أكد أن على بكركي مسؤولية جمع الكلمة المسيحية ومسؤولية رفض أي تخطٍ لهذه الكلمة، اعتبر أن «من يفكر بانتخاب رئيس جمهورية من دون المسيحيين يرتكب ضرب جنون وطني وسياسي»، وبعث برسالة إيجابية إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من دون أن يسمّيه قائلاً «موقف وطني لمن يرفض تخطي المسيحيين، ويعوّل عليه لبناء حياة مشتركة ومتشاركة في قلب الجبل».

البيطار إلى قصر عدل جديدة المتن؟
في هذه الأثناء، ينتظر اللبنانيون نتائج المشاورات الخاصة بملف المحقق العدلي طارق البيطار، وسط مؤشرات لا تعكس توافقاً يمكن أن ينعكس في مجلس القضاء الأعلى حيال الإشكال الكبير بين البيطار وبين النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وما نتجَ منه من انشطار قضائي - سياسي إلى معسكرين، أحدهما داعِم لعويدات وآخر للبيطار.
وبدا واضحاً أن رئيس المجلس سهيل عبود ومعه مجموعة من داعمي البيطار بدأوا من جانبهم تكريس اللامركزية على صعيد القضاء. وقالت مصادر قضائية بارزة إن هذه المجموعة «بدأت التداول بفكرة أن يمارس البيطار عمله في مكتب داخل قصر عدل جديدة المتن، في إشارة إلى أن المركز يقع في منطقة مسيحية ولن يجرؤ أحد على التعرض له».
باسيل يكشف استمرار الخلاف مع حزب الله: أفكر جدياً بالترشح لرئاسة الجمهورية

وقالت المصادر إن «هذا الأسبوع سيكون حافلاً باستكمال المواجهة»، فأوساط عويدات تنقل عنه «إصراره على الذهاب إلى النهاية في رد البيطار ومعالجة مخالفاته ووقف مشروع الفتنة الذي يمثله»، لذا «تجرى محاولات حثيثة لانعقاد جلسة لمجلس القضاء الأعلى». لكن المشكلة التي تواجه عويدات هي أن الأعضاء المسيحيين، خصوصاً المحسوبين على التيار الوطني الحر، يترددون في حضور الجلسة خوفاً من الجو المسيحي العام. وكانَ لافتاً أمس موقف بكركي التي أمنت غطاءً «دينياً» علنياً للمحقق العدلي بعدَ الزلزال الذي أصاب «العدلية»، إذ طالب البطريرك الماروني بشارة الراعي البيطار بأن «يواصل عمله لكشف الحقيقة»، مؤكداً «أننا لن نسمح بأن تمر جريمة المرفأ من دون عقاب».

حزب الله يرفض جلسة ثالثة للحكومة
من جهة أخرى، وفيما حُسمِ موعِد انعقاد الاجتماع الخماسي (أميركا وفرنسا وقطر والسعودية ومصر) حول لبنان في باريس، في 6 شباط المقبل، رأت مصادر سياسية بارزة أن «التعويل في لبنان على اللقاء مبالغ فيه لجهة التوصّل إلى تسوية تساعد لبنان في الخروج من أزمته السياسية والمالية». ولفتت إلى أن «المشكلة هي في أن كلاً من المشاركين لديه اهتمامات وشروط مختلفة عن الآخر، وإحاطة مختلفة ربطاً بما يجري في المنطقة، من لبنان إلى سوريا وصولاً إلى العراق واليمن وإيران، وتحديداً الرياض التي تحصر مشاركتها بموضوع صندوق المساعدات السعودي - الفرنسي وترفض الانخراط في أي تسوية لا تتوافق مع مصلحتها». واعتبرت أن «هذا الموقف المتشدد سيعيق التوصل إلى نتيجة في ما يتعلق بالورقة السياسية التي ستتمّ مناقشتها والتي ستتناول رئاسة الجمهورية والاتفاق مع صندوق النقد الدولي والإصلاحات المالية والسياسية في لبنان».
أما في الداخل، فقد فشلت حتى الآن كل محاولات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعقد جلسة حكومية ثالثة هذا الأسبوع لبحث ملف ‏القطاع التربوي وأوضاعه الطارئة. وعلمت «الأخبار» أن «ميقاتي تواصل مع حزب الله للتنسيق في أمر انعقاد الجلسة، لكن الحزب لم يعط ميقاتي جواباً حاسماً وطلب منه التروي في الدعوة.