أُنشئ «اتحاد إذاعات الدول العربية» (ASBU)، إحدى مؤسسات العمل العربي المشترك، عام 1969 لتنمية التعاون العربي في الحقل الإذاعي والتلفزيوني. وهو بمثابة مظلة تجمع الإذاعات والتلفزيونات الرسمية العربية وعدداً من القنوات الخاصة ووكالات أجنبية ناطقة بالعربية، ويوفر لأعضائه التدريب الإذاعي والتلفزيوني والتبادل الإخباري والبرامجي والرياضي، وتغطية الأحداث الكبرى في المنطقة العربية وخارجها، إضافة إلى خدمات استشارية.

العام الماضي، أطلق الاتحاد (مقره تونس) مشروع «شبكة سحابية» (ASBU Cloud) تربط كل أعضاء الاتحاد بعضهم ببعض، ومع الاتحاد. وتتكوّن «الشبكة» من خوادم (Servers) على الشبكات السحابية العالمية ووصلات إنترنت، يتبادل الاتحاد والتلفزيونات من خلالها الصور وأشرطة الفيديو والنصوص والكثير من التطبيقات والخدمات في مجال المعلوماتية. كما تتم عبرها فهرسة الخلاصات والملفات المستلمة بواسطة خدمات الذكاء الاصطناعي، وتوحيد أجهزة التخزين المركزي (Data Center) حيث تخزّن البيانات والمعلومات، وتوحيد أجهزة الاتصال الصوتي... وكل هذا ينتهي لدى شركة Dalet الإسرائيلية المنتجة لأنظمة التكنولوجيا، وهي واحدة من ثلاث شركات رئيسية تعمل في مشروع ASBU Cloud، و«تساعد» القنوات الإعلامية على إدارة أصولها الإخبارية وإنشاء المحتوى البصري والسمعي وأنظمة الأرشفة والتبادل.
بموجب هذا المشروع، فإن العاملين في الاتحاد وفي وسائل الإعلام الرسمية في الدول العربية، يستخدمون منذ مطلع أيار 2023، نظام Dalet على حواسيبهم في مراكز العمل أو على أجهزتهم الخاصة من حواسيب وأجهزة خلوية، لتبادل الملفات وتحريرها. وبما أن الولوج إلى الـ«System» يتطلّب إدخال اسم المستخدم (Username) وكلمة مرور (Password) والبريد الإلكتروني (email)، فإن كل هذه المعلومات متاحة للشركة الإسرائيلية، لأنّ من يملك النظام ومفاتيحه وبرامجه يملك قدرة المراقبة. ويؤكد خبراء أنه «بمجرد أن يفتح المستخدم نظام Dalet يستطيع مبرمجو الشركة مراقبته. كما أنّ في إمكان المبرمجين خرق الأجهزة والحواسيب والهواتف التي تشغّل النظام، وزرع برامج للتجسس داخلها»، و«في أي وقت، يمكن تحديد الموقع الجغرافي للمُستخدم أثناء عمله على النظام المشبوك على الإنترنت». وبما أن جهلاً كبيراً لا يزال يحكم التعامل مع مسألة الحماية السيبرانية وطرق الوقاية، فمن المرجّح أن عدداً كبيراً من الموظفين سيعتمدون للولوج إلى حساباتهم في نظام Dalet على كلمة مرورٍ، هي نفسها التي يستخدمونها لفتح حساباتهم على منصات مختلفة، ما يعرّضهم لخطر اختراق حساباتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي.
وحتى تشرين الثاني 2023، بلغ عدد المسجلين على ASBU Cloud، وضمناً على نظام Dalet، نحو 150 موظفاً من التلفزيونات والإذاعات الرسمية، وفق أرقام «اللجنة الدائمة للشؤون الهندسية في الاتحاد» التي كشفت، أيضاً، أن حصيلة التبادلات على الشبكة حتى آب 2023، بلغت 60% من إجمالي التبادلات التلفزيونية، و83% في ما خص التبادل الإذاعي.
المفارقة أن Dalet ليست شركةً مغمورة ولا تخفي هويتها. فموقعها الإلكتروني يشير بوضوح إلى أنها تأسّست عام 1993 على يد الأخوَين سلومون وميشال الحداد، وديفيد لسري، في منطقة بئر السبع. ولا يزال هذا الثلاثي يتولّى إدارتها. وفيما يهتم ديفيد لسري بفرع فرنسا، يهتم الأخَوان حداد بإدارة مركز البحوث والتطوير الرئيسي في بئر السبع. بالبحث عن الشركة ونشاط موظفيها على منصة «LINKEDIN»، يرد في أحد النصوص التعريفية أن «الأخوين حداد يحلمان بتأسيس مجتمع، يكون مسؤولاً عن معيشة وحياة مئات الأشخاص على مرّ السنين. ليس فقط أيّ مجتمع، بل مجتمعٍ صهيوني يُنتج منتجات تكنولوجية في إسرائيل ويبيعها لكبار العملاء في الخارج». أي تماماً مثلما حصل مع الجامعة العربية التي انضمّت إلى لائحة عملاء الشركة في الخارج، وباتت جزءاً من المساهمين في دعم اقتصاد «إسرائيل» والمجتمع الذي يحلم الأخوان حداد في تأسيسه. من جانبها، وضعت Dalet تعاون الاتحاد معها في خانة «الثقة»، وفي منشور لها قالت الشركة: «نشعر بالفخر كوننا جزءاً من مشروع (ASBU Cloud) الاستراتيجي لتعزيز عملياته وجعله أكثر مرونة».

«اتحاد إذاعات الدول العربية» يستخدم شركة إسرائيلية ومبرمجين عملوا لدى الموساد


ويبيّن البحث أيضاً أنّ من بين موظفي الشركة ضباطاً وجنوداً من صفوف الاحتياط في جيش العدو الاسرائيلي ممن انخرطوا في حرب الإبادة الدائرة في قطاع غزة. كما أنّ من بينهم من يشيرون بوضوح في خانة التعريف عنهم إلى وظائفهم السابقة في الوحدة (8200) السيئة السمعة التابعة للموساد. واللافت أيضاً أن اسم الشركة Dalet، ويعني حزف «دال» بالعبرية، هو نفسه الذي اعتمدته منظمة «الهاغاناه» الصهيونية لتهجير الفلسطينيين عام 1948 باسم الخطة «د».
بهذه الخفّة، تحوّل نظام Dalet إلى «العمود الفقري لسلسلة توريد الوسائط الرقمية لـ ASBU Cloud»، بحسب ما تفاخر به مدير المعلوماتية في الاتحاد باسل الزعبي، علماً أنّ الزعبي بحكم منصبه، هو المسؤول الأساسي عن ضمان أعلى مستوى لحماية المعلومات والأمن الشخصي للعاملين على المنصة. فيما توزّع المسؤوليات يبدأ من رئيس الاتحاد عبد الرحيم سليمان، مروراً باللجنة الهندسية المعنية بالمشروع التي يرأسها المهندس ناصر أحمد محيسن (وكيل وزارة الإعلام الكويتية) والمهندس موفق بن فواز الشمري (مدير الإدارة الإعلامية بهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية) نائباً أول له، والمهندس عبد الله عمر الهاشمي (مدير إدارة تكنولوجيا البثّ بشركة أبو ظبي للاعلام) نائباً ثانياً.
ما فعله الاتحاد، أمر من اثنين: إما انعدام مسؤولية أو تواطؤ ضد دولٍ عربية لم تغرّد بعد مع سرب المطبّعين، كلبنان وسوريا وتونس والعراق والجزائر. وفي ما يتعلق بلبنان الذي يخوض حرباً ضد العدو، يفترض معها أن يتعامل بحرص شديد تجاه كل ما يتّصل بالعدوّ من شركات وبرامج وأجهزة وتطبيقات، ولا سيّما أنه يتعرّض لحرب استخبارية سيبرانية على أكثر من مستوى، فينتظر من الحكومة ووزير الإعلام التواصل مع الاتحاد من أجل وقف المشروع أو الانسحاب منه.