أحمد محيي الدين
بين كرة لبنان وكرة جارتها السورية علائق وتاريخ
وتشابه وأرقام. وفي حين تقبع كرة لبنان شريدة هذه الأيام تسجل الكرة السورية قفزات قارية وعالمية عبر منتخب الناشئين وفريق الكرامة الحمصي. فما هي أسباب القفزة هناك والاحتضار هنا؟


كرة لبنان تعاني حالياً مرض «التوافق» الذي فرض العام الماضي لتشكيل الاتحاد الحالي المنفرط، وجمهورها مرتاح من همومها لكن بعضه يتابع بحسرة واعجاب كيف وصل فريق الكرامة الحمصي الى نهائي أبطال آسيا وحل وصيفاً بفارق هدف وكيف تأهل منتخب الناشئين السوري الى نهائيات كأس العالم. ليس في الامر سحر بل سياسة رياضية لها آثارها... ونقتطف هنا بعضها من خلال لقاءات ومتابعة مباشرة منا لمباراة الكرامة وشونبوك الكوري في مدينة الوليد.
تنسيق وتخطيط ومدارس
يقوم الاتحاد السوري للعبة بجولات تنسيق مع الاندية لتحقيق الاستقرار في إداراتها، وهذا ما تجلّى في نادي الكرامة الذي حقق انتصارات باهرة على فرق (الغرافة القطري وسابا الايراني والوحدة الاماراتي والاتحاد السعودي والقادسية الكويتي) وكان على بعد هدف واحد من الوصول الى بطولة اندية العالم، بمدربه المحلي المعروف عندنا محمد قويض (مدرب العهد السابق).
ــ الاهتمام بالفئات الناشئة، وباتت معظم الأندية تملك مدارس كروية بإشراف خبراء ولاعبين محليين ودوليين سابقين، حيث تصقل مهاراتهم ومواهبهم، وهذا ما أثمر وصول منتخب الناشئين السوري إلى نهائيات كأس العالم وتحقيق نتائج باهرة، منها الفوز على منتخب ايطاليا 2ــ1 في الدور الاول، وخسارة أمام البرازيل 0ــ1 بصعوبة.
ــ اقرار قانون الاحتراف ليتفرغ اللاعب لممارسة كرة القدم.
ــ إنشاء ملاعب عامة في المحافظات بأرضية عشبية طبيعية بمواصفات جيدة، وكذلك ملاعب بعشب اصطناعي وبمواصفات دولية حددها الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، وتخصص هذه الملاعب للتدريبات والمعسكرات. وهذا ما شاهدناه عياناً خلال جولتنا في حمص.
الجمهور والرعاية
وفوق تلك المبادئ الاساسية يتجلى حضور روح اللعبة وهو الجمهور، ويعمل المعنيون على جذب الجماهير للمدرجات إعلانياً ومادياً، منها خفض سعر بطاقة الدخول الى ما يعادل «دولار اميركي واحد»، واعتماد بطاقة سنوية لدخول جميع الملاعب بسعر يعادل «20دولاراً أميركياً» إضافة الى وجود شركات خاصة تقوم برعاية الاندية وفرقها وتقدم لهم جميع التسهيلات المادية اللازمة.
ويبقى العامل الاداري الاهم حيث تدير اللعبة إدارة متجانسة من أبناء اللعبة لا دخلاء عليها. وعامل آخر يجنّب تدخل السياسة في تشكيل الاتحاد أو إدارات الاندية، وهو ما يوفر كثيراً من احتمال المناكفات والمداخلات وتعطيل حركة التطور الخاصة والعامة. لهذه العوامل شهدت الكرة السورية قفزاتها الناجحة أخيراً...
توافق ينتظر التوافق
وفي عودة إلى كرة لبنان المسكينة، نجدها تستعطي على عتبة موسم مبهم، وتتحرك الأندية بحذر ويفترق أعضاء الاتحاد وتتجمد جلساته وحركة منتخباته في انتظار مبادرة محلية لتجمع المسؤولين الكرام الى طاولة الحوار ولو للاتفاق موقتاً على تحريك الشلل. وإذا كانت حرب العدوان الاخيرة على لبنان قد زادت في مأساة الواقع الكروي للاندية واللاعبين والجماهير واهتمامها العام فإن حرب «الإخوة الأعضاء» ضربت بصيص الأمل في انتشالها سريعاً.
وعموماً فإن كرتنا كانت تعاني لسنوات الفوضى والارتجال وهدر الاموال دون أهداف واضحة أو برامج أو أية جدوى، وفوق كل ذلك غالباً ما تخضع لتدخل السياسيين والمرجعيات في تركيب اللجان وفي اعادة التركيب.
وعلى صعيد مبادئ التطور العام لا تزال معظم انديتنا تفتقر الى المبادئ الاساسية، من الادارات المختصة الى استقرارها الى توافر المصادر الراعية، الى الاهتمام بمدارس النشء وتوفير النجوم الجاذبين حتى بالأجانب، الى جذب الجماهير للملاعب وتوفير الاجواء الملائمة للترفيه والاستمتاع، إضافة الى غلاء سعر البطاقة نسبياً في الظروف الاقتصادية الضاغطة.
واقع معروف وواضح للجميع ينتظر حركة عليا لانتشال اللعبة من براثن الصراعات الشخصانية على الأقل لتصل فرقنا الى عتبة الكرة «الحمصية» التي شرّفت الكرة العربية آسيوياً وعالمياً.