في غمرة الضجيج المُثار حول «المرسوم 16» الخاص بوزارة الأوقاف، لم تحظَ الجوانب الاقتصاديّة للمرسوم بنصيبها من النقاش، وهي جوانب كثيرة، انطوى بعضها على مخالفات للدستور وللأعراف والمنطق الاقتصادي، وحظي بعضها بمضمون إيجابي. تنصّ المادتان «29 و67» من المرسوم على منح إعفاءات ضريبيّة كاملة للمكلّفين بالعمل الديني، والعقارات الوقفيّة. ويُشكّل هذا الأمر مخالفة للفقرتين 3 و4 من «المادة 33» من الدستور السوري، وتنصّان على أنّ المواطنين «متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، وأنّ الدولة «تكفل مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين». كذلك، تشكّل هذه الإعفاءات مخالفة للأعراف الاقتصاديّة، إذ لا يحق للمؤسسات المستقلة مالياً طلب إعفاءات ضريبية وجمركيّة وإعفاءات من الرسوم القضائية، فضلاً عمّا تحويه المادة 33 من تجاوزٍ لتشديد الحكومة على قيام جميع القطاعات بتسجيل موظفيها لدى «التأمينات الاجتماعيّة» على نفقة المؤسسة. تُقدّم الدولة خدماتها للجميع، والجميع من موظف ورب عمل ومستهلك يدفعون ضرائبهم بموجب العقد الاجتماعي مع الدولة، وإذا كان هناك متّسع لاستثناءات، فالأولى إعفاء عناصر الجيش، وذوي الشهداء العسكريين والمدنيين، ومصابي الحرب من الاقتطاعات الضريبيّة. أما «المادة 12» فتبيح لـ«الأوقاف» استقدام أشخاص من حملة جنسيّات أخرى للعمل في الشأن الديني السوري.
إذا كان هناك متّسع لاستثناءات، فالأولى إعفاء عناصر الجيش وذوي الشهداء

بعيداً عن المحاذير الأمنيّة، ومن منطلق اقتصادي بحت، فالكوادر الذين يُخصص المرسوم جزءاً من «أموال الاوقاف» لتدريبهم وتطويرهم أولى بتوظيفهم وفق شروط «قانون العمل» وليس بعقود خارجية يعقدها شخص حسب الحاجة. بدورها، تبيح «المادة 89» لـ«مجلس الأوقاف الأعلى» تأسيس شركات تجارية ضمن قوانين التجارة والقانون المدني السوري. لا مشكلة في الإجراء بحدّ ذاته، شريطة أن يتم تحت رقابة «هيئة الرقابة والتفتيش» أصولاً. وإذا لم يتم تشميله بقوانين الاستثمار (السابقة أو اللاحقة) تجب معاملة الشركات معاملة تجارية من حيث تحصيل الضرائب والرسوم ورسوم الترخيص والرسوم الجمركية والتأمينات الاجتماعية وغيرها. ثمّة أيضاً ملاحظة شديدة الأهميّة، تتعلّق بـ«الآثار الإسلاميّة» التي أناط المرسوم بالوزارة إدارتها، وسمحت الفقرة «خ» من المادة 2 لها باستثمار التراث الإسلامي «بالتنسيق مع السلطات الأثريّة»، ما يعني السماح للوزارة باستثمار الوقف أو تأجيره ولو كان أثريّاً! وتضاف إلى كل ما تقدّم ملاحظات عامّة، أهمّها عدم وجود أي رقابة مالية على الوزارة من ناحية تنفيذ خططها وتوجيه أوامر صرفها وضبط العوائد ودراسة التكاليف. أما ما يتعلّق بـ«صندوق الزكاة»، فهو لا يحمل أي صفة إلزاميّة، وهو أشبه بـ«صندوق تبرّعات» يدعمه من يشاء بكامل إرادته.ثمة منحى اقتصادي إيجابي في عموم المرسوم، ويمكن تحويله إلى نموذج قابل للتطبيق مع بقية الوزارات، إذ يُسجَّل لـ«الأوقاف» سعيُها إلى تحقيق استقلال مالي يتيح تحقيق أعلى دعم ممكنٍ للعاملين تحت يدها، بما يتجاوز الرواتب الحكوميّة الضئيلة، ويضمن جعل شرط العمر أكثر مرونة، علاوة على تحصيل مزايا كثيرة للعاملين من الموازنة الخاصة بالوزارة بوصفها زيادات غير محسوبة على «أصل الراتب». ويرتبط ذلك بمنح الوزارة الفرصة لزيادة مداخيلها عبر السماح باستثمار العوائد في البنوك وشركات التأمين الإسلامية وتغيير تقدير عوائد الإيجارات الوقفيّة حسب أسعار السوق، وهوامش أخرى كثيرة. السؤال الآن هو: هل يمكن منح مزايا مماثلة لكل الوزارات بما يتيح لها أن تعمل فعلاً على تحقيق وفورات ماليّة وتجييرها لمصلحة موظّفيها وزيادة دخولهم من دون تحميل الخزينة العامة أعباءً إضافيّة؟