دعوة لافروف للحوار إيجابية ولكن تجب ترجمتها سريعاً
لن ينجح صخب التصريحات والمواقف الطنّانة الصادرة في الولايات المتحدة، والمُحذِّرة تركيا من مغبة «التمادي» في حربها على الحركة الكردية، أو تلك التي تعلن اعتزامها فرض عقوبات عليها من خلال الكونغرس، في حجب الحقيقة الساطعة أمام القاصي والداني، وهي أن «الديمقراطية العريقة» الأميركية خانت الأكراد مرة جديدة. لم يكن القرار الأميركي بالانسحاب من الشمال السوري، والذي فتح الباب أمام الهجوم التركي، مفاجئاً، على الرغم من الذهول الذي سيطر على الكثير من اللاعبين والمراقبين لما سيترتب على هذه الخيانة من نتائج ومفاعيل على الأكراد وتركيا والصراع الدائر في سوريا. فوزة يوسف، القيادية في «حركة المجتمع الديمقراطي»، والرئيسة المشتركة السابقة لما سُمِّي «الهيئة التنفيذية لإقليم شمال سوريا»، ترى أن الخيارات كانت أصلاً محدودة جداً أمام الحركة الكردية، وأنه لم يكن متاحاً لها سوى التحالف مع الولايات المتحدة، على الرغم من إدراكها، نظرياً على الأقل، أن مصالح الأخيرة كانت ستُفضي إلى فكّه في أي لحظة. وهي تعتبر، في مقابلة مع «الأخبار»، أن الهجوم التركي الحالي على المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» يندرج في إطار مشروع طويل الأمد للسيطرة على سوريا بأكملها، واصفةً دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى حوار سوري - كردي - تركي بالإيجابية، لكن المطلوب هو الإسراع في ترجمتها عملياً لأن التطورات المتلاحقة قد تجعلها مستحيلة.
ورداً على سؤال حول إمكانية أن يُشجع الهجوم التركي الحركة الكردية على مبادرة سياسية تجاه دمشق، تقول فوزة يوسف: «أكّدنا دائماً كقوى سياسية وكإدارة ذاتية أن القضايا الخلافية في سوريا يجب أن يتمّ حلها بين السوريين. لذلك، وقبل الهجوم التركي، عرضنا على دمشق خارطة طريق منذ سنة لنتجنّب تدخل الدول الخارجية. لكن في الحقيقة، دمشق تهرّبت دائماً من الحوار الجدي. وبالرغم من أنه طلبنا منهم العمل المشترك للوقوف في وجه الاحتلال التركي، لكنهم لم يستجيبوا. تصريح نائب وزير الخارجية السوري البارحة (أول من أمس)، والذي يقول فيه إن «دمشق لن تتحاور مع القوى الانفصالية»، يوضح أنها ما زالت بعيدة عن استيعاب الخطر الذي يحدق بسوريا . فتركيا لن تقف عند حدود 30 كيلومتراً كما تدّعي، لأنها تريد أن تُحوِّل سوريا إلى ولاية تركية. أردوغان يريد أن يكون له الدور المصيري في المستقبل السياسي للبلاد، وهدفه فتح خط حتى إدلب، وبالتالي تقسيم سوريا. لم يتراجع عن رغبته في أن يصلّي في الجامع الأموي كما صرّح في بداية الحراك الشعبي السوري. وعلى الرغم من مواقفنا الوطنية والديمقراطية الثابتة خلال الثماني سنوات الماضية، بقيت الحكومة السورية رافضة للتغيير، ومصرّة على سياساتها الإقصائية والتهميشية للهويات الإثنية والثقافية، والتي قد تؤدي في حال استمرارها إلى تقسيم سوريا».
ينبغي عدم إضاعة الوقت لأن أردوغان مستعجل، ويريد أن يغير الوقائع جذرياً على الأرض


الولايات المتحدة متواطئة عملياً مع الهجوم التركي، فيما روسيا وإيران قد تستطيعان المساعدة على إيجاد مخرج من الأزمة الحالية. لا شكّ لدى يوسف في أن «الولايات المتحدة هي التي أعطت الضوء الأخضر للاجتياح التركي. لكن، وعلى الرغم من تواصلنا مع الروس، إلا أنهم لم يبدوا موقفاً واضحاً من هذا الهجوم، وما صدر عن مُمثِّلهم في اجتماع مجلس الأمن يؤكد أنهم هم أيضاً غير مبالين وغير مهتمين بنتائج هذا الهجوم على الأراضي السورية. تصريح السيد لافروف بخصوص مبادرة الحوار بين دمشق وتركيا والكرد كان مُهماً، ولكن يصعب التكهّن إلى أي حدّ ستتم ترجمته عملياً. إننا كقوى سياسية وكإدارة ذاتية نُقدّر أهمية هذا التصريح، ولكن ينبغي عدم إضاعة الوقت لأن أردوغان مستعجل، ويريد أن يغير الوقائع جذرياً على الأرض. إننا نرحب بكل مبادرة تساهم في إيقاف هذا الجنون وهذه الكارثة».
الخطة التركية التي تم إعدادها لمدة ستة أشهر تتضمن ثلاث مراحل، وقد تكون لها في حال نجاحها تداعيات كبرى على الواقع السياسي والعسكري وحتى الديموغرافي في منطقة الشمال السوري. وفي هذا الإطار، تجزم القيادية في «حركة المجتمع الديمقراطي» أن «هدف أردوغان هو اقتطاع أراضٍ جديدة من سوريا، وتحقيق تغيير ديموغرافي في المنطقة كما فعل في عفرين، وافتعال اقتتال عربي - كردي بمشاركة مرتزقته ممّا يُسمّى بدرع الفرات، وإنقاذ داعش وإخراج عناصرها من السجون، واستخدامهم كسيف مسلّط على الدول. إننا سنقاوم بالطبع، لأننا أمام حرب إبادة، وهي قضية وجود بالنسبة إلينا. سنبذل بموازاة ذلك جهوداً دبلوماسية من أجل إحباط هذه المؤامرة التي تستهدف مستقبلنا كشعوب وسوريين».
ولكن ما حدث كان متوقعاً، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن مرتين عزمه الانسحاب من سوريا خلال السنة الماضية، فضلاً عن خروج جميع العناصر المعترضة على ذلك من الإدارة الأميركية. ألم يكن هذا الأمر كافياً لكي يحفّز على السعي إلى إيجاد بديل عن حليف لا يمكن الاعتماد عليه؟ «إننا انتهجنا سياسة الخط الثالث، وكنا على علاقة مع جميع الأطراف لأننا ضد التحول إلى أداة لأجندات خارجية، واعتمدنا مبدأ القوة الذاتية. لكن مصالح الدول هي التي تحكم علاقاتها. وليس كلّ ما نرغب فيه يتحقق. علاقاتنا مع أميركا بدأت بالتحالف ضد داعش. روسيا مثلاً لم تتحالف معنا في ذاك الوقت مع أننا طلبنا مساعدتها. لو استجابت لطلبنا، لكان الوضع مختلفاً اليوم. في النهاية أودّ القول إن أردوغان يشكل تهديداً ليس لسوريا فحسب، بل هو يُصدّر الإرهاب في جميع الاتجاهات. عدم انسحابه حتى الآن من مدينة بعشيقة في العراق، ودعمه بالسلاح الفصائل الإرهابية في ليبيا، وغيرهما من السياسات، جميعها شواهد تؤكد أنه توسُّعي، ويريد أن يهيمن على المنطقة. لذلك، نحن الكرد والعرب يجب أن نؤسّس استراتيجية مشتركة لمواجهة هذا العدوان، وإلا فلن نخلّص أنفسنا من كوارث سياسية وإنسانية تكون لها تداعيات على مدى قرون»، تختم يوسف.

* الرئيسة المشتركة السابقة لـ«الهيئة التنفيذية لإقليم شمال سوريا»