مرة أخرى، تحتدم المواجهة في سوريا بين قوى محور المقاومة والعدو الإسرائيلي. لا يحتمل العدو مشاهدة توسّع هذا المحور وتعزّز بناه التحتية العسكرية وربط عواصمه براً. كيف سيقبل قادته أن تنقل لهم طائراتهم المسيّرة صور الشاحنات والسيارات تتنقل بين العراق وسوريا من دون أن يستطيعوا قعل شيء ما؟ ثم كيف لهم أن يشعروا بالصواريخ تُنصَب على مقربة من حدودهم، ويكتفوا بالتصوير ونشر الصور على «تويتر»؟ أمر غير ممكن، وإلا تصبح إسرائيل كالسعودية. وهذا هو الهاجس اليوم بالنسبة إلى صنّاع القرار في تل أبيب.ما أشبه ليلة أمس والتي سبقتها بـ«ليلة الصواريخ» في العاشر من أيار/ مايو العام الماضي؛ تلك الليلة التي أُطلق فيها أكثر من 20 صاروخاً نحو مواقع العدو الإسرائيلي في الجولان، كردّ على استهدافه قبل شهر من ذلك مطار «تي فور» العسكري، ما أدى الى استشهاد عدد من جنود وضباط الحرس الثوري الإيراني. بعد الرد ّبساعات، بدأ العدو آنذاك جولة عنيفة من القصف على أهداف عسكرية في مناطق مختلفة، جرى بعدها تثبيت قاعدة اشتباك جديدة، عمادها أن «لا سكوت عن تعمّد القتل». اليوم، يبدو أن الساحة السورية أمام محاولة تثبيت قواعد جديدة أيضاً، تتعلق بـ«أمن العبور» من المعابر الحدودية مع العراق، وربطه بأمن مستوطنات العدو بشكل مباشر، فضلاً عن تجديد تثبيت القواعد القديمة، وهي الردّ الحتمي على القتل.
فجر أمس، شنّ العدو حملة قصف واسعة على أهداف عسكرية في العاصمة دمشق وفي ريفها الجنوبي بشكل خاص. توزعت حملة القصف على موجتين: الأولى، استهدفت منصات الدفاع الجوي في محيط مطار المزة العسكري، بالإضافة إلى ستّ بطاريات دفاع جوي في دمشق وريفها الجنوبي، فضلاً عن منصة دفاع جوي في أقصى المنطقة الجنوبية على مقربة من الحدود؛ والثانية تركّزت على عدد من المواقع والثكنات التابعة للجيش، والتي يعتقد العدو أن حلفاء دمشق يستفيدون منها في الإعداد لعمليات هجومية ضدّه، وهي طالت مقرّ الفرقة الأولى في منطقة الكسوة جنوب دمشق، بالإضافة إلى مخزن أسلحة يتبع الفرقة الرابعة في يعفور غرب العاصمة. اللافت هذه المرة هو استهداف ما يعرف بمبنى «الدفاع الوطني» (المبنى الزجاجي) قرب مطار دمشق، والذي جهِدَ العدو مراراً في تصويره على أنه مقرّ «قيادة عمليات الحرس الثوري» في سوريا. وعلى الرغم من أنه في المرات السابقة قصف العدو محيط المبنى، إلا أنه لم يستهدفه قبل جولة الأمس أبداً. مع ذلك، هو عمد إلى أن يكون الاستهداف محدوداً، إذ إن القصف طال جهة واحدة من الطابق العلوي، في ما بدا أنه رسالة تحذيرية وتصعيدية أرادها العدو بلا خسائر مباشرة. لكن لم ينقض الأمر بلا خسائر، حيث أصابت شظايا أحد الصواريخ الإسرائيلية منزلاً في بلدة سعسع جنوب غرب دمشق، ما تسبب باستشهاد شخصين وإصابة آخرين. كما تسببت شظايا صاروخ آخر بتضرّر منزل في منطقة ضاحية قدسيا غرب دمشق وإصابة فتاة تقطنه. كذلك، أدّت الغارات إلى استشهاد عدد من جنود الجيش السوري وإصابة آخرين. وتشير مصادر أمنية مطلعة، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن أغلب النقاط المستهدفة «تم إخلاؤها احترازياً في وقت سابق، لأننا كنا نتوقع رداً إسرائيلياً»، ما خفّض الخسائر البشرية وحتى المادية.
العدو قام قبل ثمانية أيام بقصف شاحنة على طريق البوكمال قادمة من العراق


بحسب الرواية الإسرائيلية، فإن ما سمّاه العدو «الردّ الإيراني» عبر إطلاق أربعة صواريخ نحو جبل الشيخ، «جاء نتيجة اعتقاد إيران بأن إسرائيل ضربت أهدافاً لها في سوريا»، بحسب تعبير مراسل «القناة 13» العبرية. ومساء أمس، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتداول خبراً مفاده أن «الموساد قام أخيراً بتصفية شخصية إيرانية رفيعة داخل سوريا»، ما حمل قوى محور المقاومة على الرد. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن العدو الإسرائيلي قام قبل ثمانية أيام «بقصف شاحنة على طريق البوكمال قادمة من العراق، ما أدى إلى استشهاد سائقها»، إلا أنه «لا صحة لما يروّج له العدو عن أنه قام بعملية اغتيال لشخصية رفيعة في البوكمال، إذ هو يشيع ذلك لتظهير أن ما تعرض له من ردّ، وما سيتعرّض له لاحقاً، هو ثمن بخسٌ لصيد ثمين». وتؤكد مصادر عسكرية سورية لـ«الأخبار» أن «القضية تتعلق بأمن العبور من معبر البوكمال - القائم»، وأن «العدو سعى الى تقويض حركة التنقل بين العراق وسوريا، وإلى منع قوى محور المقاومة من الاستفادة منها، وهذا ما تحرص الأخيرة على الحؤول دونه». وتتابع المصادر أن «الرد عبر إطلاق الصواريخ الأربعة هو بمثابة رسالة للعدو، بأن أمن العبور من معبر البوكمال مرتبط بأمن الكيان بشكل مباشر»، فضلاً عن أن «قصف الشاحنة أدى إلى استشهاد سائقها، وبالتالي هذا تعمّد للقتل، يستدعي الرد بحسب قواعد الاشتباك المثبتة». وفي هذا السياق، اعتبر مراسل «القناة 13» الإسرائيلية، ألون بن دافيد، أن «إيران، بإطلاقها الصواريخ الأربعة اتجاه الجولان والجليل، تكون قد قررت تغيير سياستها، والرد على أي هجوم إسرائيلي، وفرض معادلة جديدة».
على الجهة المقابلة، ومع أن صحيفة «هآرتس» نقلت عن مسؤول أمني كبير في الكيان العبري أن «الهجوم الذي شنه الجيش الإسرائيلي الليلة الماضية رداً على إطلاق الصواريخ باتجاه الجولان لم يكن استثنائياً في نطاقه مقارنة ببعض الهجمات السابقة»، إلا أن المعطيات الميدانية تؤكّد خوف العدو وتحسّبه لردّ محسوم. إذ تمّ الدفع بتعزيزات من الدفاعات الجوية إلى الجبهة الشمالية، ونشر منظومة «القبة الحديدية» في المنطقة الجنوبية مقابل غزة، خشية أن يكون الردّ من الشمال أو من قطاع غزة، في إطار المواجهة نفسها، فيما أشارت وسائل إعلام العدو إلى أن «التقديرات عند الاحتلال تُشير إلى أن إيران ستردّ قبل نهاية الأسبوع».