وسط تضارب في الروايات حول الآلية التي تمّ من خلالها تنفيذ الاغتيال، لقي العراقي ميسّر علي الجبوري الملقّب بـ«أبي ماريا القحطاني» مصرعه، خلال حضوره مضافة في مدينة سرمدا في ريف إدلب، أقيمت لتهنئته بالخروج من سجون أبي محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق)، على خلفية عملية أمنية داخلية نفّذها الأخير للقضاء على خصومه بحجة اكتشاف خلية من العملاء. وتأتي عملية الاغتيال التي تمّت عن طريق تفجير استهدف القحطاني بشكل مباشر، وأدّى إلى مقتله وإصابة أربعة أشخاص كانوا حوله، بعد أقل من شهر على إطلاق الجولاني سراح «صديق دربه» الذي قضى ستة أشهر في السجن، إثر اعتقاله واتهامه بالعمالة لدول أجنبية وتقديم معلومات استخباراتية عن «جهاديين» ينشطون في مناطق سيطرة «الهيئة». وكان هذا الأمر تسبّب بأزمة داخلية وانقسامات بين مؤيدي الجولاني وأنصار القحطاني، ما دفع زعيم «الهيئة» إلى إطلاق سراح صديقه وعدد كبير من المقبوض عليهم في محاولة لتهدئة الأجواء، غير أن هذه الخطوة تسبّبت في زيادة الشقاق، بعد ظهور آثار تعذيب واعتداءات تعرّض لها المعتقلون، لتخرج تظاهرات كبيرة، لا تزال مستمرة، في إدلب وريفها، تدعو إلى إسقاط الجولاني.وفي وقت ذكر فيه أنصار القحطاني أن الانفجار تمّ عبر عبوة ناسفة، نعى رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في «الهيئة» عبد الرحيم عطون، الذي يُعتبر في الوقت الحالي أحد أبرز المقربين من الجولاني، القحطاني، واصفاً إياه بـ«الشهيد»، وقال إن الاغتيال تمّ عبر تفجير انتحاري، متهماً تنظيم «داعش» بالوقوف وراءه. غير أن هذه التصريحات قوبلت بتشكيك من أطراف عديدة داخل «الهيئة»، في ظل المصلحة الواضحة للجولاني في اغتيال صديقه وأحد مؤسّسي «جبهة النصرة»، لما يحمله من معلومات كبيرة حول تاريخ زعيم «تحرير الشام» وتواصله مع الاستخبارات الغربية ومخططاته السابقة، ومن بينها التخلص من خصوم كثر، إذ تنهي وفاة القحطاني صفحات سوداً عديدة في تاريخ رجل «القاعدة» السابق، علماً أن الأخير لم يقم بزيارة الأول بعد خروجه من السجن، واكتفى بالإشارة إلى براءته ومحاولة حلحلة الأزمة التي تعصف به، فيما انتشرت صور أظهرت توديع الجولاني لجثمان القحطاني، مقبّلاً رأسه.
يمثّل اغتيال القحطاني فرصة بالنسبة إلى الجولاني لإعادة تنشيط جهازه الأمني الذي لعب دوراً كبيراً في تخليصه من خصومه


وإلى جانب تخلصه من «الثقب الأسود»، حسبما تصف به مصادر «جهادية»، القحطاني، يمثّل اغتيال الأخير فرصة بالنسبة إلى الجولاني لإعادة تنشيط جهازه الأمني الذي لعب دوراً كبيراً في تخليصه من خصومه، خصوصاً بعد أن تمّ تجميد هذا الجهاز على خلفية الأزمة التي تسببت بها قضية «العملاء». ومن هنا، يأتي ربما اتهام تنظيم «داعش» بتنفيذ الاغتيال، والحديث عن ضرورة رفع مستوى العمل الأمني للقضاء على خلايا التنظيم. ولم يتبنَّ الأخير، حتى الآن، هذا الهجوم، برغم وجود عداء تاريخي مع القحطاني، على خلفية انشقاقه عنه عام 2012، ومساعدة الجولاني في تأسيس «جبهة النصرة» التي ولدت من رحم «داعش» ونازعته على السلطة في مناطق عديدة من سوريا تحت قيادة القحطاني، الذي شارك بشكل مباشر في المعارك بين التنظيمين، كما شارك في عمليات التخلص من قادة التنظيم بعد أفول نجمه. وبينما يستر اغتيال الرجل محطات عديدة في تاريخ الجولاني، يأتي الاغتيال في وقت يعيش فيه الجولاني أزمة متصاعدة على مختلف المستويات، سواء داخل تنظيمه الذي يشهد عملية اصطفاف مستمرة، أو على المستوى الشعبي في ظل استمرار التظاهرات المناوئة له، والتي فشل في قمعها برغم استعمال الأسلحة النارية، وشن حملات أمنية عديدة. ويفتح ذلك الباب أمام احتمالات عديدة تذهب جميعها نحو زيادة الأزمة، علماً أن القحطاني كان يتمتع بحضور كبير في الأوساط العشائرية، بالإضافة إلى وجود كتل وازنة داخل «الهيئة» تناصره.