حيفا ـ فراس خطيبسار أكثر من مئة ألف من فلسطينيي 48، في مثلث يوم الأرض في الجليل، رافعين صرخة تضامن مع إخوتهم العالقين تحت القصف والحصار والظلام في غزة، ليسجلوا موقفاً تاريخياً ضمن مسيرة لم يشهد الداخل الفلسطيني مثلها منذ عقود.
وأعلن أحد المنظمين أن الشرطة الإسرائيلية توقعت مسيرة «كبرى» يشارك فيها «عشرة آلاف»، لكنَّ تضامن فلسطينيي 48 مع إخوتهم العالقين تحت القصف في ظلمة غزة، فاق التنبؤات «لقد رأيتهم يتوافدون مثل النمل من كل صوب، وهناك حافلات لم تستطع الوصول».
وتحول دوّار شهداء تشرين في سخنين، إلى ميدان يتسع لأكثر من مئة ألف في أقل تقدير، «صرخة من الجليل إلى غزة»، كما كتب على إحدى اللافتات. ورفعت التظاهرة، التي دعت إليها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، الأعلام الفلسطينية على امتداد المسيرة. وقال أحد سكان قرية عرابة إنه «لا يذكر مشهداً كهذا منذ يوم الأرض الأول»، ليعارضه آخر «ولا حتى منذ الـ48».
ومن يسكن قرى الجليل، ويعرف أهله، يدرك أنَّ المسيرة استقطبت أناساً لا يعرفون طعم التظاهرات منذ زمن، لكنَّ المسيرة أيقظتهم من سبات لم يستمر، تلخصه فتاة بقولها: «جئت إلى التظاهرة سراً، فوالدي عادةً يطلب مني ألا أشارك. ولكن أنا متأكدة من أني عندما أخبره بأني كنت هنا، سيفرح في سرّه».
الناس يسيرون إلى وسط البلدة. المدينة التي يبلغ عدد سكانها 30 ألفاً كلها في قلب المسيرة، واستقطبت عشرات الآلاف من كل صوب. الحضور الشبابي يشعل المسيرة بالهتافات التي تدين إسرائيل وقادتها وتمتد إلى «الصمت العربي»، إلا أنَّ إحدى الشخصيات الوطنية، ينتفض إلى الداخل ويطلب من الشباب «تركيز الشعارات ضد إسرائيل، اتركوا الدول العربية»، هناك من انصاع للطلب، وهناك من لم يكترث، وواصل الهتافات.
وسخنين الضلع الثالث من مثلث يوم الأرض، إلى جانب قريتي عرابة ودير حنا، التي شهدت شوارعها كل أنواع النضال ضد مصادرة الأراضي وتضامناً مع الشعب الفلسطيني أينما كان. هي حال مألوفة عن المدن الفلسطينية، محاطة بالمستوطنات التي تحد من توسعها، وتقترب رويداً رويدًا نحو «الغيتو».
«هذا أضعف الإيمان. ماذا سنقول؟ هؤلاء الآلاف لن يعيدوا طفلاً يموت في غزة. ولكن، إن الله مع الصابرين»، يقول أبو أحمد، من سكان قرية دير حنا.
الحضور الضخم كان أقوى من الخطابات. كانت الكلمات قصيرة اختزلها رئيس البلدية مازن غنايم «لسنا فتح ولسنا حماس، إننا فلسطينيون».
تفرقت الحشود الكثيرة بعدما سجّل فلسطينيو 48 موقفاً قوياً، وتضامناً واضحاً، حاولت الصحف العبرية إخفاءه، فذكرته «هآرتس» بين السطور، واعترفت به «يديعوت أحرونوت» عنوة، لكنَّها نشرت إلى جانب الخبر مقالاً لحانوخ داوم هاجم فيه فلسطينيي 48 بمقالة تحت عنوان: «رأيكم ليس ذا صلة الآن»، في وقت خفضت صحيفة «معاريف» العدد إلى 40 ألفاً معنونة خبرها بـ«أعلام حماس في سخنين». لكنّ من كان في المسيرة يدرك أنّها كانت رسالة إنسانية ومناشدة لإنقاذ شعب عالق تحت الحصار.