منذ بدء جولته الأوروبية الأسبوع الماضي، مروراً بقمّة «حلف شمال الأطلسي» ووصولاً إلى لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يثير الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانتقادات والبلبلة، في الأوساط الداخلية في بلاده ومن قبل الحلفاء الأوروبيين، المستائين منه أصلاً بسبب حربه التجارية. بعد وصفه بأنه «خائن» بعيد قمّته مع بوتين، يتعرّض ترامب هذه المرّة لحملةٍ جديدة لتشكيكه في المبدأ الأساسي لـ«حلف شمال الأطلسي»، ولمهاجمته دولة مونتينغرو «الصغيرة» التي انضمت إلى الحلف حديثاً.
«حرب عالمية ثالثة»
جاءت تصريحات ترامب، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، رداً على سؤال عن المادة الخامسة للدفاع المشترك داخل الأطلسي التي تنصّ على أن الهجوم على أي دولة يُعَدّ هجوماً على جميع الدول، إذ سأل المذيع، تاكر كارلسون: «إذا تعرضت مونتينيغرو لهجوم مثلاً، فلماذا يجب على ابني أن يذهب إلى مونتينيغرو للدفاع عنها؟».
أجاب ترامب: «أتفهّم ما تقوله، وطرحت السؤال نفسه». أضاف أن «مونتينيغرو بلد صغير جداً يضم أناساً أقوياء جداً وعدوانيين جداً»، وصولاً إلى التلميح إلى أن هذه العدائية يمكن أن تشعل «حرباً عالمية ثالثة» إذا تولى الأعضاء الآخرون في الحلف الدفاع عن مونتينيغرو، علماً بأن المرّة الأولى التي فُعِّلَت فيها المادة الخامسة كانت من جانب الولايات المتحدة بعد اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر.
من جهتها، رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، التعليق مباشرة على تصريحات ترامب، قائلةً إن الرئيس «أكد من جديد الأسبوع الماضي التزامنا القوي للدفاع الجماعي داخل حلف شمال الأطلسي». شدّدت ناورت على أن البيان الذي صدر في ختام قمة بروكسل «ينص بوضوح على أن أي هجوم على حليف سيعتبر هجوماً على الجميع».

ردّ مونتينيغرو
في بيان باللغتين المونتينيغرية والإنكليزية، أكدت مونتينيغرو أنها تساهم «في الاستقرار والسلام، ليس في القارة الأوروبية وحدها، بل في العالم أجمع»، وتعمل إلى «جانب القوات الأميركية في أفغانستان»، مدافعةً عن تاريخها في «السياسة السلمية».
تابع البيان أن البلاد لعبت دور «قوّة الاستقرار» في المنطقة التي شهدت حروباً خلال تفكّك يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي، مضيفاً أن التحالف مع الولايات المتحدة لا يزال «قوياً ودائماً».
كانت مونتينيغرو أحد بلدين يوغوسلافيين سابقين وحيدين لم يسبب قرارهما بالخروج من الاتحاد حرباً، رغم أن جنودها قاتلوا في إطار الجيش اليوغوسلافي ضد حرب الاستقلال الكرواتية في التسعينيات، والدولة الثانية هي مقدونيا. انضمت مونتينغرو، الجمهورية اليوغوسلافية السابقة البالغ عدد سكانها 630 ألف نسمة، إلى «حلف شمال الأطلسي» العام الماضي لتصبح العضو الـ29 فيه. ولا يتعدى تعداد جيشها الألفي جندي.
يذكر أن العلاقات بين مونتينيغرو وروسيا تدهورت في السنوات الأخيرة مع توجه الدولة الصغيرة للانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي»، وسعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما يثير قلق روسيا. كذلك، اتهمت موسكو بالتدخل في انتخابات مونتينيغرو وفي الانقلاب الفاشل عام 2016.

الردود الداخلية: «هدية لبوتين»
كتب نيكولاس بيرنز، الذي كان سفير الولايات المتحدة في الحلف بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001، على «تويتر»، أن «ترامب يثير الشكوك مجدداً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، في ظل رئاسته، ستساعد حلفاءنا. إنها هدية أخرى لبوتين».
السناتور الجمهوري جون ماكين الذي وصف قمّة ترامب مع بوتين في هلسنكي بأنها «غلطة مأساوية»، رأى أن ما يفعله ترامب «يصبّ تماماً في مصلحة كل ما يريده بوتين». وأضاف أن «شعب مونتينيغرو قاوم بشجاعة الضغط الذي مارسته روسيا (برئاسة) بوتين ليتبنى الديموقراطية» و«مجلس الشيوخ صوت (بغالبية) 97 مقابل 2 دعماً لانضمامه إلى الحلف الأطلسي».
كذلك، انتقد رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي، ريتشارد هاس، تصريحات ترامب، وقال في تغريدة إن «الرئيس لم يكتفِ بالانتقاد الحاد لمونتينيغرو، بل إنه يجعل التزام الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي مشروطاً ويوضح استياءه من المادة الخامسة والأمن المشترك الذي يعتبر جوهر التحالف».

من أين جاء موقف ترامب؟
لم يتّضح لماذا وصف ترامب شعب مونتينيغرو بأنه «عدواني جداً»، رغم أن جيش البلاد صغير جداً، ونشر في هذا السياق على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل فيديو التقط خلال قمّةٍ سابقة لـ«الحلف الأطلسي» يظهر فيه ترامب وهو يزيح رئيس وزراء مونتينيغرو من مكانه بخشونة أثناء التقاط صورة.
وفق الباحث في معهد «ليبريتاريان كاتو»، دوغ باندو، فإن تصريحات ترامب تعكس على الأرجح غضبه من الحلف أكثر مما تعكس مخاوف روسية بشأن مونتينيغرو. يشير باندو إلى أن مونتينيغرو انضمت إلى «حلف شمال الأطلسي» خلال رئاسة ترامب، قائلاً إن «هذا الرئيس سمح لذلك أن يحدث العام الماضي. فإذا سمح بذلك، لمَ يشتكي الآن؟».
من جهةٍ ثانية، يشير المستشار في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، جون هانا، الذي كان مستشاراً أمنياً لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، إلى أن ترامب ينتقد «الأطلسي» بسبب تعدد الأطراف فيه. يتابع أن فكرة أن بلداً صغيراً مثل مونتينيغرو «يمكن أن يفعل شيئاً من شأنه إغضاب أو إزعاج قوّة عظمى جارة مثل روسيا وجرّ الولايات المتحدة تلقائياً إلى حرب كبيرة، يتعارض مع كل أفكار ترامب. فهذه ليست أميركا أولاً بالنسبة إليه، بل العكس، إنها الولايات المتحدة تتعرض للخداع».


لقاءٌ ثاني بين بوتين وترامب؟
أعلن الرئيس الأميركي اليوم أنه يتطلّع بفارغ الصبر إلى عقد «لقاءٍ ثانٍ» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤكداً أن قمتهما تكلّلت بالنجاح: «القمّة مع روسيا حقّقت نجاحاً كبيراً، إلّا بالنسبة إلى عدو الشعب الحقيقي، وسائل الأخبار الكاذبة»، بعد تعرضه لانتقادات حادة حتى من الجمهوريين على تصريحاته التي اعتبرت متهاونة تجاه روسيا. أضاف: «أنتظر بفارغ الصبر لقاءنا الثاني حتى نتمكن من البدء بتطبيق بعض الأمور التي تحدثنا عنها».
في الأثناء، انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «قوى أميركية» مستعدّة للتضحية بالعلاقات الروسية ــ الأميركية، بعد يومين من القمة، موضحاً في كلمة أمام سفراء روسيا في موسكو: «نرى أن هناك قوى في الولايات المتحدة مستعدة للتضحية بسهولة بالعلاقات الروسية ــ الأميركية لخدمة تطلعاتهم الخاصة».