أربعة أشهر تفصل قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، في هلسنكي، عن الثانية المرتقبة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، التي سيكون مقرها العاصمة الفرنسية باريس، على هامش الاحتفالات بذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى. هذا ما خرجت به جولة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي التقى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إضافة إلى وزيري الخارجية والدفاع. موعد ضربه الجانبان، يصادف انتهاء استحقاق الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدة. لم تعرقل نيات ترامب بشأن الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي وُقعت مع روسيا إبان الحرب الباردة (1987)، المسعى الذي حمله بولتون للقاء الرجلين. لكن تهديد الرئيس الأميركي قد يشكل فسحة لخفض الحملات الأميركية المشككة بعلاقة ترامب مع موسكو، أو على الأقل موازنة الدعاية الانتخابية للديمقراطيين ضد سياسته تجاه روسيا. أكد الموعد الجديد رغبة القوتين في الاستمرار بالتعاون الذي صاغه لقاء هلسنكي، ومتابعة ما أبرم منتصف تموز/ يوليو الماضي. في الوقت نفسه، ستخيّم الرغبة الأميركية في الخروج من معاهدة الأسلحة النووية على اللقاء الموعود وفرص نجاحه، كورقة أميركية جديدة يسعى ترامب عبرها للإيحاء بأن موقفه قوي أمام سيد الكرملين، قبالة الانتقادات التي طاولت قمة هلسنكي. لكن التصعيد الأميركي، في الظاهر، يتعارض مع الرغبة الروسية في التعاون مع واشنطن من أجل «حل العديد من المشاكل العالقة في العالم»، كما قال أمس وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، عقب لقائه بولتون.
بكين لواشنطن: لن نقبل أي شكل من أشكال الابتزاز

مع هذه التكهنات، يواصل ترامب تصعيد لهجته، مجدداً اتهاماته بشأن عدم التزام روسيا «روح الاتفاق أو الاتفاق بحد ذاته». ولم يوضح الرئيس الأميركي ما إذا كان هدفه التفاوض على معاهدة جديدة، إلا أنه وسّع من تهديداته بالتلويح بأن بلاده ستستمر في تعزيز الأسلحة (الترسانة النووية) ما لم تتوقف روسيا والصين. وقال: «إنه تهديد إلى أي جهة تريدون، وهذا يشمل الصين، وأيضاً روسيا، وأي جهة أخرى تريد أن تلعب هذه اللعبة». تصعيد ترامب تجاه الصين استدرج رداً من بكين لم يتأخر. وعلقت الخارجية الصينية على مواقف ترامب بأن بكين «لن تقبل أبداً أي شكل من أشكال الابتزاز». وقالت متحدثة باسم الخارجية: «الآن الولايات المتحدة ترغب في الانسحاب أحادياً من المعاهدة، وبدأت تتحدث بشكل غير لائق عن دول أخرى... هذه المقاربة بإحالة اللوم على آخرين أمر غير مبرر وغير منطقي». ورغم أن الصين ليست طرفاً في المعاهدة، فإن بكين ترى في أي عودة إلى تعزيز الترسانة النووية بالمديات المتوسطة والبعيدة، خطراً استراتيجياً يهدد أمنها، فيما بدت إشارة ترامب إلى الصين و«أي جهة تريدون» كما قال، تهديداً صريحاً في هذا الجانب، لكون الاتفاقية موقعة بين واشنطن والاتحاد السوفياتي.
وأمس، خففت موسكو من حدة انتقادها لإعلان ترامب عزمه على الانسحاب من المعاهدة، وقال الكرملين إن المعاهدة «فيها نقاط ضعف». في الوقت نفسه، لم يرحّب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، بـ«تمزيق الاتفاقية دون وجود خطط بشأن أي شيء جديد». يذكر أن نية ترامب الانسحاب من المعاهدة، بحثها بولتون مع بوتين، أمس، إلى جانب ملفي سوريا و«التدخل في الانتخابات الأميركية». القلق من نيات ترامب تجاه المعاهدة توسعت لتشمل أطرافاً دولية أخرى. إذ دعا الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة وروسيا إلى مواصلة الحوار بهدف المحافظة على المعاهدة. وقالت المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد إن تنفيذ المعاهدة «حيوي للاتحاد الأوروبي وللأمن العالمي»، واصفة إياها بأنها «تشكل أحد أحجار الزاوية في الهندسة الأمنية الأوروبية».
(رويترز، أ ف ب)