من ميناء «الشهيد رجائي» الإيراني الذي تعرّض لهجوم «سيبراني» إسرائيلي (وفق ما نقلت «واشنطن بوست» الأميركية) انطلقت خمس ناقلات وقود محمّلة بالبنزين، مُشهرة وجهتها المفترضة ـــ فنزويلا ـــ على خلاف ما تقوم به السفن التي تنقل النفط الإيراني ومشتقاته، في العادة، بهدف تضليل متتبّعي الأثر الأميركيين.وتزامن كشفُ بيانات تتبّع السفن عبورَ تلك الشحنات إلى البحر المتوسط فمضيق جبل طارق، مع تحريك واشنطن سفناً حربية باتجاه البحر الكاريبي، بحسب تقارير إعلامية، لتعود الأخبار عن احتمال تجدّد «معركة الناقلات» إلى الواجهة.
وتكافلت التصريحات الرسمية الإيرانية لتؤكد أن طهران «ستردّ» على أي محاولة أميركية لاعتراض تلك السفن أو قرصنتها، بالمثل، في حين حملت وزارة الخارجية الشكوى من السلوك الأميركي إلى الأمم المتحدة، ناقلة «المواجهة» إلى الملعب الدولي.

التوقيت والإخراج
أجمعت تصريحات العديد من الخبراء والمحللين على أن السلوك الإيراني المتّبع هذه المرة «جديد»، من دون تقديم أجوبة حاسمة حول سبب هذا التغيير وهدفه، باستثناء «الفكرة البدائية» الأميركية عن حاجةِ إيران إلى السيولة النقدية، وتكامل ذلك مع نقص الوقود الحاد الذي يحاصر فنزويلا.
غير أن إيران المتمرّسة في بيع نفطها رغم الحصار، كان يمكنها ــ لو أرادت ــ إتمام «الصفقة» من دون خوض نزالٍ جديد مع الولايات المتحدة، خاصة وسط أجواء «الهدنة التوافقية» السائدة في العراق، بؤرة التوتر الرئيسة بين الطرفين.
وتكشف طبيعة وتواتر التحركات الإيرانية التي تلت التصعيد، أن طهران أعدّت نفسها للمواجهة المفترضة، ولتجييرها لاحقاً في لعبة شد الحبال مع الأميركيين.
وهي تراهن على أن ردّ الفعل الأميركيّ لن يكون «منفلتاً» عن قواعد الكباش خلال المواجهات الأخيرة، ولا سيما في جولة «معركة الناقلات» السابقة؛ ويدعم ذلك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يستعد لخوض انتخابات صعبة، قد يحجم عن إطلاق مغامرات عسكرية الآن، وهو ما دأب عليه خلال ولايته الأولى، متّخذاً من سلاح العقوبات عمادَ هيمنة بلاده في الخارج.

«محور طهران - كاركاس»
العنوان السابق كان لمقال في «وول ستريت جورنال» الأميركية، في العام 2009، عمّا يمثّله تعاون العاصمتين من خطر على المصالح الأميركية؛ وفي منطق الدول المتضامنة ضد الحصار الأميركي، إيران تردّ اليوم عبر هذه الشحنات الجميلَ لفنزويلا؛ فالأخيرة تحدّت في عهد هوغو تشافيز العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وأمّنت لها إمداداً من البنزين زهيد الثمن، يقارب 20 ألف برميل يومياً.
ويمكن عبر جولة على حسابات فنزويلية (في مواقع التواصل الاجتماعي) مؤيدة للرئيس نيكولاس مادورو، رصد «شعارات الامتنان» التي وجّهها أصحاب تلك الحسابات لطهران، على خطوتها التي لم تكتمل بعد، مرفقة بصورٍ لمادورو وتشافيز وقائد «فيلق القدس» الإيراني السابق، الجنرال قاسم سليماني.
التضامن الإيراني يأتي في وقت تمارس فيه واشنطن، وبشكل معلن، سياسة «الضغط الأقصى» تجاه فنزويلا؛ ومع واقع سوق النفط العالمي الحالي، وأزمة «كورونا» الاقتصادية والطبية الخانقة، باتت كاركاس في حاجة ماسة إلى الدعم، الذي يشحّ يومياً بسبب العقوبات.
هذه الخطوة اللافتة على الساحة الدولية، سيكون لها تأثير محدود على الواقع المعيشي في فنزويلا، ولكنها ستحوّل «القرصنة الأميركية» إلى مسألة رأي عام دولي، على خلاف ما جرى في الأشهر القليلة الماضية.

خطوة في برنامج
قرار نقل التحدي إلى مواجهة علنية، جاء بعد حملة إعلامية وسياسية أميركية، اتهمت إدارة مادورو بصرف احتياطيّ الذهب في البلاد، وتحويله إلى إيران تسديداً لتكلفة خدمات تقدمها الأخيرة.
وبمعزل عن رواية «استنزاف الذهب» الصادرة من واشنطن ــ فيما هي تصرف حسابات فنزويلا المجمدة لصالح أنصار خوان غوايدو ــ فإن طهران تتعاون بالفعل على مشروع مستدام لتخفيف آثار الحصار الأميركي على كاركاس، وهو بعنوانٍ عريض: إعادة تأهيل محطات تكرير النفط.
البرنامج المشترك تضمن خطوات ضرورية لتفعيله، كان أبرزها من جانب كاركاس، التغييرات التي أجراها مادورو في إدارة قطاع النفط؛ إذ عيّن الرئيس نائبه السابق طارق العيسمي وزيراً للنفط في أواخر نيسان الماضي، والأخير هو الشخص الأمثل للتنسيق مع الجانب الإيراني في هذا الشأن وفي هذا التوقيت، فهو معاقب أميركياً بتهم عديدة، وسبق أن اعتبرته تقارير أميركية المسؤول بشكل مباشر عن تسهيل وصول آلاف من عناصر حزب الله وفيلق القدس إلى أميركا الشمالية، عبر بلاده فنزويلا.
وفي شهر نيسان نفسه، بدأت سلسلة رحلات جوية شغّلتها شركة «ماهان أير» الإيرانية (هي التي قالت تقارير أميركية أنها كنست ذهب كاركاس)، في نقل أجزاء وقطع غيار لصيانة مصفاتي كاردون وأمواي الفنزويليتين (يمكن في حال إتمام إصلاح المصفاتين، تكرير ما يصل إلى نحو 200 ألف برميل في اليوم).
الرحلات انطلقت مباشرة من طهران إلى مطار جوزيفا كاميخو الدولي، في شبه جزيرة باراغوانا، وأكدتها وزارة النفط الفنزويلية قبل تعيين العيسمي بأيام. ووفق تصريحات لهيئة الطيران المدني الفنزويلية، تلقّت «ماهان أير» تصريحاً حكومياً خاصاً للقيام بأكثر من 20 رحلة طيران مباشرة، لضمان توصيل جميع قطع الغيار والفنيين الذين سيجرون الإصلاحات.
وليست مهمة الإصلاح المرجوّة سهلة، بحسب ما قالت أوساط نقابية فنزويلية في قطاع النفط لوسائل إعلام محلية. غير أن إيران تملك ميزة نسبية في هذه الحالة، فالمصفاتان الفنزويليتان بنتهما شركتا «Shell» و«Creole Petroleum» (الأخيرة سلفُ شركة «Standard Oil» التي تطورت لاحقاً إلى «ExxonMobil»)، فيما عملت شركتا «Shell» و«Esso» (الآن «ExxonMobil») على تطوير وإنشار العديد من مصافي النفط الإيرانية.
وما سبق يعني أن التقنيات والمكوّنات وقطع الغيار في عدد من مصافي إيران متوافقة مع نظيرتها في مصفاتي كاردون وأمواي؛ أي إن إيران وفنييها يملكون ميزة نسبية هنا. ويندرج التعاون بين الدولتين، في هذا الشأن، تحت بنود اتفاقات وقّعها تشافيز ونظيره الإيراني حينها محمود أحمد نجاد، في العام 2007.
(الأخبار)