من الصعب أن تتحول السعودية إلى حليف لروسيا على حساب علاقاتها مع أميركا في المدى المنظور
أعداء بوتين الروس هم أول من يستشيط غضباً بسبب النجاحات التي يحققها نتيجة الحماقة الأميركية. أحد هؤلاء، ليونيد برشيدسكي، المعلّق في موقع «بلومبرغ»، ومؤسّس يومية «فيدوموستي» الاقتصادية الروسية الصادرة بالتعاون مع «وول ستريت جورنال» و«فايننشال تايمز»، اختار لمقاله الذي خصّصه لتحليل استراتيجية الرئيس الروسي عنواناً لافتاً: «بوتين يسعى لأن يكون عرّاب الحلول في الشرق الأوسط». عداء برشيدسكي لبوتين لم يمنعه من تقديم تقييم على قدر معقول من الموضوعية لإنجازاته. هو يرى أن الرئيس الروسي يسعى إلى إقناع جميع دول الشرق الأوسط بأن «العمل معه أكثر نجاعة من التعاون مع الولايات المتحدة». عرضه على دول الخليج شراء أنظمة مضادة للصواريخ روسية هو في الحقيقة عرض لضمانات روسية: «الهدف من شراء مثل هذه المنظومات الدفاعية ليس إسقاط طائرات العدو وصواريخه، بقدر ما هو الحصول على دعم روسي خلال الأزمات. هذا ما حدا بأردوغان، وبلده عضو في حلف الناتو، إلى أن يغامر بالتعرض للعقوبات الأميركية، وأن يُحرم من امتلاك طائرة F35». ويعتبر برشيدسكي أن التدخل الروسي الناجح في سوريا كان في أحد أبعاده استعراضاً للقوة وللقدرة، كفيلاً بإيصال رسالة إلى حكام الشرق الوسط مفادها أن «روسيا مستعدة للتدخل لصالحهم حفاظاً على الاستقرار، وستفعل ذلك بسرعة ومن دون شروط سياسية. الولايات المتحدة لا توفر أياً من هاتين الميزتين». وعلى الرغم من أن الشراكة الروسية ــ الإيرانية هي عامل استفزاز بالنسبة إلى السعودية، فإن للأخيرة مصالح مهمة مشتركة مع روسيا، أبرزها تلك الخاصة بالحدّ من الآثار السلبية على سوق النفط العالمي لتحول الولايات المتحدة إلى دولة مُصدِّرة للنفط الصخري.
من الصعب أن تتحول السعودية إلى حليف لروسيا على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع أميركا في المدى المنظور، لكن الخبير والمعارض الروسي يعتقد أنه «على المدى المتوسط، فإن هوية القوة المؤهلة للعب دور عرّاب الحلول في الشرق الأوسط ستُحدّدها قدرة الولايات المتحدة على تحمّل مسؤوليتها. فمواجهة ترامب لإيران لم تكن فعالة بالشكل المطلوب. الحرب اليمنية، التي انحازت فيها الولايات المتحدة إلى السعودية، ما زالت مستعرة. الأسد، عدو أميركا، يسيطر على القسم الأكبر من سوريا. وتركيا لم تشعر بتبعات سلبية لتحدّيها الولايات المتحدة عبر شراء الـS400. أما بوتين، فهو يخاطب الزبائن الذين يسعى لكسبهم باللغة التي يفهمونها». دخول روسيا كوسيط على خط الأزمة في الخليج، المعتبر حتى سنوات قليلة منطقة نفوذ أميركي حصري، تحول استراتيجي كبير لا يقلّ أهمية عن انتقال تركيا من الانضباط الأطلسي إلى تعدد الشراكات. وإذا أضيفت هذه التحولات إلى الشراكات التي بنتها موسكو مع بكين وطهران ونيودلهي، على رغم تحالفها مع واشنطن، ومصالحها المتنامية مع إسلام آباد، واتجاه ألمانيا وفرنسا نحو تجاوز آثار الأزمة الأوكرانية وإعادة الدفء إلى علاقاتهما بموسكو، فمن الممكن القول إن على بوتين أن يشكر ترامب على اختزاله السياسة الخارجية الأميركية إلى عمليات تهديد ووعيد وضغوط قصوى وابتزاز. مساهمته الأبرز إلى الآن هي تسريع عودة روسيا كقوة دولية إلى أكثر مناطق الكوكب أهمية على المستويات الجيوسياسية والجيواقتصادية.