strong>يحيى دبوق
قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أمس، شن حملة استباقية ضد المطالبة باستقالته عشية صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد، في وقت رفعت فيه الجمعيات الأهلية، التي تضم عائلات الجنود الذين قتلوا في عدوان تموز وجنود الاحتياط الذين شاركوا فيها، وتيرة نشاطها الهادف إلى إطاحته

اختار إيهود أولمرت منبر مؤتمر هرتسليا السنوي ليحوّل كلمته فيه إلى مرافعة هجومية تمحورت حول شرح ما رآه الإنجازات غير المسبوقة لعدوان تموز، معلناً «عدم أسفه» على أي من القرارات التي اتخذها خلال رئاسته للحكومة، وبينها قرار العدوان.
وبدأ أولمرت مرافعته بالقول إن شمال إسرائيل يشهد أطول فترة هدوء منذ سنوات طويلة، مشيراً إلى أن الوضع القائم اليوم، في ظل انتشار الجيش اللبناني واليونيفيل على الحدود مع لبنان، أفضل مما كان عليه في السابق. وقال: «لا يوجد احتكاك يومي ولا قصف صواريخ، وهذا الوضع مستمر منذ ثمانية عشر شهراً».
وإذ أقر أولمرت بأن حزب الله عزز قدراته التسليحية والقتالية، بما فيها «الصواريخ التي تعطيه إياها سوريا وإيران»، رأى أن عدم شن الحرب ما كان ليحول دون هذا الأمر. وشدد على أن السؤال الرئيسي يتمحور حول «حماستهم (الحزب) إلى استخدام هذا السلاح»، مشيراً إلى أن الهدوء القائم على الحدود يعكس «قوة إسرائيل وقدرتها الردعية في مقابل حزب الله». وأضاف: «ثمة حقيقة واحدة واضحة ومعروفة للجميع وهي أن أعداءنا في الشمال لا يسارعون إلى قتالنا، وهم يعلمون لماذا. الأسباب واضحة، ويمكن الشعور بها في المنطقة، وهي تعكس قدرة إسرائيل العظيمة وجرأتها وتصميم مقاتليها».
وفي حين أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بحصول أخطاء وإخفاقات، شدد على استخلاص العبر وتصحيح الأخطاء، مستدلاً على ذلك بأن القرارات التي اتخذت بعد الحرب أنتجت «مزيداً من الأمن والهدوء والردع لإسرائيل».
إلا أن أولمرت لم يكن وحده بطل المشهد الإعلامي أمس في إسرائيل، حيث زاحمه على الصدارة التقرير الذي نشرته عائلات الجنود القتلى في عدوان تموز. فقبل أسبوع من نشر التقرير النهائي للجنة فينوغراد، أصدر هؤلاء الأهالي تقريراً تحت عنوان «التقرير البديل: كيف سقط الأبطال في حرب لبنان الثانية»، في خطوة بدا أنها أولى على طريق تصعيد حملتهم للمطالبة باستقالة أولمرت، لمناسبة صدور تقرير فينوغراد. واستند التقرير، الذي قدمه وفد من الأهالي أمس إلى «جمعية تطبيق تقرير فينوغراد في الكنيست»، إلى سلسلة من التحقيقات الخاصة التي تصدّت لإجرائها مجموعة من الأهالي عملت على مدى نحو عام ونصف العام على جمع المواد، والتقت في سبيل ذلك جنوداً وضباطاً شاركوا في العدوان، إضافة إلى مسؤولين سياسيين.
ويركز التقرير، الذي كتب بلغة وجدانية، انتقاده على أولمرت بوصفه «المسؤول المباشر عن موت أبنائنا». وإذ يتهمه بالعمل، بكل الوسائل البائسة، من أجل «وضع الحرب في خانة النسيان لدى مواطني إسرائيل»، يطالب التقرير رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاستقالة الفورية من منصبه، مشيراً إلى أنه «لا يمكن أن يبقى في منصبه يوماً واحداً جرّاء فشله الكبير، وكان عليه واجب شعبي أن يستقيل عقب خروج الجندي الأخير من أرض لبنان».
ويخاطب التقرير أولمرت بالقول: «لقد كنت مبذراً للغاية (بدماء الجنود)، وصوت الأبناء الذي سقطوا ينادي من الأرض أن مسؤولية موتهم تقع عليك». وأضاف التقرير: «كان هؤلاء مقاتلين سقطوا عبثاً وفقط من أجل إنقاذ كراسي وزراء إسرائيل، وعلى رأسهم مهندسو الفشل، وزير الدفاع عامير بيرتس ورئيس الوزراء إيهود أولمرت».
ويتابع التقرير أن «وزراء الحكومة، جميعهم، يتصرفون وكأن ما جاء في تقرير فينوغراد لا يعنيهم، ويواصلون عملهم كأنهم لم يفشلوا في أدائهم أثناء الحرب، وكأنهم لا يعرفون أنهم فشلوا، وكأنهم لا يعرفون أننا نعرف أنهم فشلوا».
ويستعرض تقرير العائلات أحداث الحرب، وخصوصاً قرار الخروج إليها في يومها الأول، وقرار دخول القوات البرية بعد أسبوع من اندلاعها إلى بلدة مارون الراس، متوقفاً خصوصاً عند قرار شن العملية البرية الواسعة في اليومين الأخيرين منها، وهي العملية التي قتل فيها 33 جندياً، ولا تزال جدواها تثير سجالاً حاداً في إسرائيل.
ويفصل التقرير في عرض ما يصفه بإخفاقات القيادة السياسية في اتخاذ القرارات الثلاثة، متهماً أولمرت بالتحايل في إفادته أمام لجنة فينوغراد، وخصوصاً في ما يتعلق بقرار العملية البرية نهاية الحرب. ويتهم التقرير أولمرت باتخاذ قرار العملية بناءً على دوافع «فاسدة»، ويشدد على أن «المحاولة الفاشلة لعرضها على أنها عملية ستؤدي إلى تغيير للأفضل في بنود اتفاق وقف إطلاق النار (أي قرار مجلس الأمن الدولي 1701) هي بمثابة صبّ الزيت على نار فشل الحرب، وحملة الستين ساعة الأخيرة لم تحقق أي تحسن في وضع إسرائيل، لكن 34 عائلة فقدت أعزاءها في الستين ساعة هذه».
ويخلص التقرير إلى استنتاج أن الحرب أُديرت بأسلوب الهواة وبإهمال ومن دون تخطيط أو تحديد أهداف واضحة أو إعداد، مشيراً إلى أنها تسببت «بأضرار كبيرة جداً للجيش الإسرائيلي ولدولة إسرائيل».
وحاولت عائلات الجنود الوصول إلى مكتب أولمرت لتسلميه نسخة من التقرير، لكن لم يُسمح لهم بالدخول. كما حاول عضو الكنيست أرييه إلداد من كتلة «الوحدة القومية ـــ المفدال» اليمينية المتطرفة تسليم التقرير لأولمرت في الكنيست، إلا أن الأخير رفض تسلّمه، فوضعه إلداد على طاولة رئيس الوزراء في قاعة الهيئة العامة للكنيست.
إلى ذلك، وفيما يمكن اعتباره خطوة موجهة من جانب أولمرت لتوظيفها في إطار صراع البقاء الذي يخوضه، لمّح نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، حاييم رامون، إلى مسؤولية إسرائيل عن عملية قصف الموقع في دير الزور في سوريا مطلع أيلول الماضي.
وعرضت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي مساء أمس مقاطع من مقابلة أجرتها مع رامون، المعروف بقربه الشديد من أولمرت، قال فيها إن العملية في سوريا «وفقاً لمصادر أجنبية، جرت في أعقاب عملية اتخاذ قرارات غير معهودة».
وأضاف رامون «لقد سمعتم جميعكم بما حدث في أيلول في سوريا من مصادر أجنبية». وتابع: «إن ما حدث، بموجب مصادر أجنبية، كان نتيجة عملية اتخاذ قرارات معينة وعملية اتخاذ قرارات قبيل الحدث الذي كان غير معهود بحسب كل من كان ضالعاً في التفكير والتنظيم والاستعدادات والبدائل (للعملية)، في كل شيء. ولذلك، فإني لا أتحدث عن شيء ما نظري، بل أنا أتحدث عن شيء ما حدث وهو فعلي، وفقاً لمصادر أجنبية».
وقال المحلل السياسي في القناة العاشرة، رفيف دروكر، الذي أجرى المقابلة، إن أقوال رامون التي ستنشر كاملة مساء يوم الجمعة المقبل، هي بطاقة هامة يسحبها أولمرت للتخفيف من حدة الانتقادات له ومطالبته بالاستقالة، بعد صدور تقرير فينوغراد يوم الأربعاء من الأسبوع المقبل.
وكرر رامون عبارة «وفقاً لمصادر أجنبية»، مشيراً بذلك إلى منع الرقابة العسكرية الإسرائيلية وسائل الإعلام في إسرائيل من النشر بشأن الموضوع، ولكن الاقتباس من وسائل إعلام أجنبية فحسب.