بين جميع الأحزاب والقوى التي شاركت في التظاهرات خلال الأشهر الماضية، برز اسم «تجمع المهنيين السودانيين» بوصفه محركاً وفاعلاً رئيساً في توجيه مطالب المسيرات وإدارتها. اسم «التجمع» لم يكن بارزاً على المستوى الدولي أو الإقليمي، رغم أن نشاطه الفعلي، وفق تركيبته الرسمية، بدأ من 2014. ومنذ انطلاق التظاهرات في المدن السودانية، كان «التجمع» حريصاً على إبقاء هوية أعضائه وتركيبته سرية خوفاً من الاعتقال وخلافه. ولم يُخرج إلى العلن سوى أسماء محدودة من المتعاطين في الشأن الإعلامي، على رأسهم وزير الدولة لشؤون العمل سابقاً وأستاذ علم الاجتماع في جامعة الخرطوم، محمد يوسف أحمد المصطفى.الرواية، التي ذكرها المصطفى عن تشكيل «التجمع»، توضح أن عمله بقي حتى اندلاع التظاهرات مُركزاً على الجانب الاقتصادي والمعيشي في البلاد، ولا سيما «إظهار الهوة بين الدخل وكلفة المعيشة، والمطالبة بتغييرات بنيوية تغيّر تلك المعادلة». وحين خرجت التظاهرات ورفعت شعارات أوسع من تلك المضامين، وجد «التجمع» نفسه معنياً بتغيير سقف تطلعاته وانضم إلى موجة «إسقاط البشير»، مستفيداً من شبكة المهنيين التي تمتد بين الأكاديميين والأطباء والصحافيين والفنانين، وقد انضمت إليهم لاحقاً قوى سياسية وجدت فيه قوة محورية قريبة من المسيرات، ويمكن تحميلها مطالب سياسية كبيرة.
قام «التجمع» بدور بارز في تنظيم أماكن التجمعات والمسيرات منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، وساهم مناصروه (أو أعضاؤه) عبر وسائل التواصل الاجتماعي في نشر ما يخدم سياق التظاهرات ويضغط على نظام عمر البشير. ورغم ما روي عن مشاركة قوى إقليمية ودولية في تحريك دفّة الحراك، لم يظهر جلياً ارتباط «التجمع» بأي طرف خارجي حتى اليوم، سوى أن كثيرين من المتحدثين باسمه يعيشون في دول أوروبا أو الولايات المتحدة.
مع إزاحة البشير عن السلطة، وقفت أوساط «التجمع» ضد انقلاب السلطات العسكرية التي تهيّئ نفسها لحكم البلاد لعامين (وفق قولها). وعبّر البيان الرسمي الصادر عن «التجمع» عن هذا الرفض بمطالبة السودانيين «بكسر حظر التجول والبقاء في الشوارع والمقاومة السلمية»، وأيضاً حثّ ضباط الجيش على التصدي لـ«محاولة إعادة إنتاج النظام ذاته واختطاف الثورة الشعبية».