أخيراً، تمكّن الشارع البحريني من صدّ مساعي حكومته لإيصال التطبيع مع حكومة العدو الإسرائيلي إلى مستوى غير مسبوق، عبر تحرّك أدى إلى إعلان وفد إسرائيلي إلغاء مشاركته في «المؤتمر العالمي لريادة الأعمال» الذي ينطلق اليوم في المنامة، بسبب «مخاوف أمنية» بحسب ما أعلن منظمو المؤتمر. وكان من المتوقع أن يشارك في المؤتمر ثلاثة متحدثين إسرائيليين، على الأقل، بينهم نائبة رئيس هيئة الابتكار الإسرائيلية، أنيا ألدان.إعلان الوفد الإسرائيلي جاء بالرغم من رفض محكمة بحرينية للأمور المستعجلة، أمس، دعوى أقامها عدد من المحامين الأسبوع الماضي، يطالبون فيها وزارة الداخلية بعدم إصدار تأشيرات دخول للوفد. وقال محامٍ من مقيمي الدعوى إن المحكمة أبلغتهم أنها اتخذت القرار لأنه «لا مصلحة شخصية للمدعين في منع دخول الصهاينة للبلاد، وعليه انتفى شرط المصلحة الواجب لقبول الدعوى».
كذلك، جاء قرار الوفد الإسرائيلي عقب استنكار مجلس النواب البحريني مشاركته في المؤتمر، الذي يستمرّ أربعة أيام. وقال مؤسس ورئيس «شبكة ريادة الأعمال العالمية»، جوناثان أورتمانس، إنه «رغم أننا أكدنا للوفد الإسرائيلي أنه سيكون موضع ترحيب، فقد قرر صباح اليوم (أمس) عدم الحضور لمخاوف أمنية، ورغبته في عدم التسبب في أي إزعاج للدول الـ180 الأخرى المشاركة».
ولا تقيم البحرين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لكن مؤشرات التطبيع وصلت إلى أوجها في الفترة الأخيرة، وقد تبلورت لدى استضافة المملكة، قبل أقل من سنة، مؤتمراً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو» في حضور وفد إسرائيلي. هذا فضلاً عن اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش مؤتمر وارسو، قبل شهرين.
ومع اقتراب انعقاد المؤتمر، توالت الانتقادات للخطوة الحكومية الأخيرة من جهات مختلفة. فاستنكر أكبر المرجعيات الدينية في البلاد، الشيخ عيسى قاسم، في بيان، زيارة الوفد إلى المنامة. واعتبر أن «التطبيع والخطوات المتسارعة على طريقه إرضاءً للعدو الإسرائيلي سحق لإرادة الأمّة وإسلامها، ولإرادة الشعب والوطن»، واصفاً الدعوة بأنها «خطوة على طريق الذل و الاستسلام». من جهتها، رأت جمعية «الوفاق الوطني» الإسلامية المعارضة، في بيان، أن هذه الدعوة تصب في إطار «تغييب البوصلة العربية، والعمل على كسر حاجز العزلة ومحاولة زجّ الكيان الغاصب في أحضان الأمّة».
في المحصّلة، «جُنّبت» قرابة 600 شخصية بحرينية وعربية الجلوس جنباً إلى جنب وفد صهيوني، يضم مجنّدي احتياط في جيش العدو، وعلى رأسه وزير الاقتصاد الإسرائيلي إيلي كوهين. مشهد كاد يتحقق، اليوم، لو لم ينجح الشارع البحريني في إجهاض مخطّط سلطاته، التي أنكرت، مع ذلك، أي دور لها في دعوة الوفد الصهيوني. ومن أجل الحفاظ على ماء وجهها أمام الضغط الشعبي، حمّلت «صندوق تمكين»، المنِّظم للمؤتمر، مسؤولية دعوة الوفد، علماً بأن «تمكين»، كسائر المنظمات في البحرين، مؤسسة شبه حكومية تابعة لمجلس الوزراء، وتتلقى تعليماتها من السلطات مباشرة. وقد اكتفت بهذا التبرير في بيان من بضعة أسطر، من دون البتّ في إلغاء الدعوة.
إلا أن هذا التجاهل للأصوات المناهضة للتطبيع لم يكن مستغرباً، ذلك أن السلطات البحرينية عزمت أمرها على المضي قدماً في إشهار علاقاتها مع العدو، منذ توقيعها عام 2005 اتفاقاً تجارياً مع واشنطن انسحبت بموجبه من المقاطعة التجارية العربية لإسرائيل. ثمّ أطلق ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، دعوة إلى إنهاء المقاطعة العربية لإسرائيل، عام 2017، بحسب مقال نشرته صحيفة «ذي تايمز» البريطانية، ليزور بعدها وفد بحريني من جمعية «هذه هي البحرين» الأراضي المحتلة، على إثر إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل.