عباس المعلم ـ إعلامي لبناني
نكاد نجزم اليوم بأن جميع اللبنانيين بمختلف طوائفهم وأطيافهم السياسية يتساءلون عن حال التدهور الأمني المتصاعد بشكل لافت، وعلى اكثر من صعيد، منذراً بعواقب ومخاطر لن تحمد عقباها على المدى القريب. واذا كان لبنان معتاداً أن يشهد اغتيالات سياسية وتفجيرات معينة، فإنه اليوم بدأ يشهد اتجاهاً آخر قد يكون اشد بكثير من عامل الاغتيالات وهو استهداف المدنيين في وضح النهار بتفجير ارهابي وحشي طال مواطنين لبنانيين ابرياء، على طريق عين علق في المتن الشمالي. ورغم تنوع الطيف السياسي في هذه المنطقة، فإن شكل هذا الاستهداف الوحشي يعطي رؤية جديدة لواقع الاستهداف الذي يتعرض له لبنان.
لكن من المؤكد أيضاً أن تلطيف هذا الحادث وتزيينه بعبارات استنكار وإدانة، ومحاولة استغلاله سياسياً لمصلحة قوى السلطة وسوقها اتهامات مسبقة لجهات معينة، لن تخفي تداعيات هذا الحادث وخلفياته، فهذه المنطقة التي وقع فيها هذا الانفجار تمثل بشكل او بآخر بغالبيتها التيار الوطني الحر وحلفاءه، وكلنا نعلم أن التيار قد تعرض في الاسابيع الاخيرة لاعتداءات امنية على مكاتبه ومناصريه، وهذا الاستهداف الذي يطاله منذ مدة ليست بقصيرة يبدو مبرمجاً ومعداً مسبقاً، مثلما حصل عشية اغتيال الوزير بيار الجميل، وما دامت الساحة اللبنانية تشهد انقساماً سياسياً حاداً، فمن البديهي ان ينعكس هذا الانقسام سلباً على الامن والاستقرار، ويكون عرضة لانكشاف امني من جانب استخبارات اجنبية ودولية. وفي انتظار جلاء التحقيقات لكشف المسؤولين عن هذا الحادث الأليم الذي راح ضحيته عدد من الشهداء والجرحى، نجد من حقنا أن نسأل السلطة عن وجباتها تجاه حماية الاستقرار الامني في البلاد.
ثم أين اصبحت نتائج التحقيقات في كل الاحداث الامنية منذ أن تولت الحكومة مهماتها، بدءاً بالتفجيرات المتنقلة والاغتيالات مروراً بأحداث الخامس من شباط وأحداث الرمل العالي وأحداث 23 و25 كانون الثاني، ولماذا لم تكشف حتى الآن نتائج بعض هذه التحقيقات خصوصاً احداث التظاهرات وحادثة اغتيال الوزير الجميل الذي اعدم بدم بارد في وضح النهار، وماذا عن ملاحقتها لشبكات الموساد الاسرائيلي في لبنان والتي تتغلغل بشكل كبير من دون حسيب او رقيب وتتلطى خلف «اتهام مسبق لجهة معينة بالمسؤولية عن الاغتيالات والتفجيرات»؟ وماذا عن وجود بعض اجهزة الاستخبارات الاجنبية وبالتحديد «الأف بي آي» في مواقع التفجيرات بموافقة السلطة اللبنانية؟ أليست الادارة الاميركية وحليفتها اسرائيل هما في موقع اتهام مباشر وغير مباشر بالمسؤولية عن اغتيالات وتفجيرات عدة من جانب اكثر من نصف الشعب اللبناني، خصوصاً بعد ادخال السفارة الاميركية كواتم صوت لرشاشات حربية و750 طرداً ولم يعرف مضمون هذه الطرود؟ أليست العبوات التي طالت الحافلات مختلفة عن سائر العبوات كما قال مصدر امني لبناني؟ من حقنا أن نسأل لماذا تحصل التفجيرات والاغتيالات عند الوصول إلى اتفاق بشأن مناقشة المحكمة كأن البعض لا يريد مناقشة نظام هذه المحكمة؟ ايضاً نسأل الى متى سيبقى احدهم فوق المساءلة والمحاسبة على توقعاته الصائبة دائماً بحدوث تفجيرات واغتيالات؟ وماذا يمنع ان يكون في قفص الاتهام بالمسؤولية عن هذه الاحداث بشكل مباشر او غير مباشر بدور المحرض او المنفذ؟ وهو نفسه من يسعى لإعادة الامن الذاتي إلى المناطق الشرقية اي المسيحية، وقد عبّر عن ذلك بطريقة او بأخرى، خصوصاً في احداث الثلاثاء؟
المسؤولية الكبرى تقع على السلطة السياسية التي افقدت الاجهزة الامنية هيبتها وأنهكتها، بتجاذباتها وانقساماتها وتغليبها لغة الاحتقان والتحريض على لغة الحوار والتوحد، والمسّ بالمسلّمات والمحرمات وانتهاك الدستور والمؤسسات الدستورية والكفر بالبديهيات وتدنّي خطابها السياسي الذي اعادت من خلاله سياسة العزل والإلغاء. من الخطأ تحميل المسؤولية للاجهزة الامنية لأنها هي ايضاً ضحية غياب الامن السياسي عن البلاد، ومن المعروف والمتعارف عليه لبنانياً ودستورياً أن الامن في لبنان أمن سياسي بامتياز، فعندما يوجد الامن السياسي بفاعلية يكون مصدر قوة للامن العسكري وعندما يضعف تضعف معه هيبة القوى الامنية وفاعليتها، واذا اردنا الخروج من هذا المأزق فعلينا أن نعزز الامن السياسي لأنه كفيل بحماية الاستقرار الامني للبنان من اي جهة داخلية او خارجية، وهذا يتطلب وعياً ومسؤولية من جميع الاطراف السياسية في كيفية ادارة البلاد بعيداً عن منطق الإلغاء والإقصاء في ظل اللعبة الديموقراطية ومشروعية حق التنافس السياسي والتباين في المواقف، شرط الحفاظ على مبدأ حماية الاستقرار الامني وعدم ادخاله في التجاذبات.