عصام الجردي
مؤونات عامة على التسليفات لاحتواء الركود والخسائر المحتملة

تتوقع أوساط مصرفية مطّلعة، ازدياد إجراءات الحيطة التي قد يلجأ إليها مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، كلما اقتربنا من 2008 موعد التزام معايير بازل ــ 2 التي تتجاوز كفاية رأس المال الى الموجودات المثقلة بأوزان المخاطر، إلى مخاطر التشغيل والرقابة والسوق وغيرها.
وعلمت “الأخبار”، أن من بين مشاريع التعاميم التي قد تصدرها لجنة الرقابة على المصارف، وهي قيد المناقشة حالياً مع جمعية المصارف، فرض مؤونات عامة على تسليفات المصارف، بما في ذلك قروض التجزئة، بواقع 1 في المئة، خلافاً للمؤونات الخاصة التي تطلب لجنة الرقابة على المصارف تكوينها، تبعاً لدراستها دورياً محافظ تسليفات المصارف أو بناءً على معطيات طارئة تتبدى لها.
ثمة عنصر استثنائي يدفع مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف نحو التعاميم المرتقبة، ذلك ان نتائج الحرب الاسرائيلية في تموز وآب 2006، لم تتبلور بعد، سوى على نحو تقديري، وخصوصاً الخسائر غير المباشرة منها على عملاء المصارف المدينين، سواء في علاقاتهم بالموردين والزبائن، أو بأسواق صادراتهم السلعية الخارجية. إلى ذلك، الخسائر التي تكبّدتها قطاعات السياحة والتجارة والخدمات محلياً.
وإذ أمهلت لجنة الرقابة المصارف، حتى حزيران 2007، لتحديد خسائرها المحتملة، فإن المؤونات العامة المطلوبة، ستكون جاهزة لسد أي خلل بعد ظهور النتائج، بالإضافة الى الاقتراب أكثر من حال الركود الاقتصادي والجمود الاستثماري اللذين باتا ينذران بخسائر كبيرة وإفلاسات، وخصوصاً في قطاعي السياحة والخدمات وفي استثمارات أخرى مختلفة.
وترى المصادر المصرفية أن المؤونات العامة المطلوبة، ستدخل هذه المرة في بند الاحتياطات، أي في أموال المصارف الخاصة وفقاً لـ(tier2) في اتفاق بازل ــ 1، علماً بأن هذا النوع من المؤونات يتعارض مع معايير المحاسبة الدولية التي بدأت معظم المصارف اللبنانية بتطبيقها. وفي المبدأ “لا مؤونة على تسليفات من دون خسائر”، وخصوصاً أن المؤونات الخاصة التقليدية التي تطلبها لجنة الرقابة على المصارف، حين تحققها من شكوك في قروض أحد العملاء، أو ارتيابها في إمكان تحوّل محفظة قروض الى رديئة وغير قابلة للسداد، معفاة من ضريبة الدخل التي تستوفى على أرباح المصارف. بيد أنه يفترض إخضاعها للضريبة من جديد، بعد سداد الدين، أو تحسّن قابليته على السداد، وخروجه من خانة الديون المشكوك في تحصيلها. وليس شرطاً تحرير كل المؤونة دفعة واحدة، وإنما جزء منها، بحسب تغيّر وضعية الدين، والجزء المسدد منه أو الخاضع للتسوية أحياناً. بيد أن هذه العملية تتأخر الى حين الدخول الى المصرف لدرس وضع كل مصرف على حدة فيمكن في هذه الحالة تكوين المؤونات الخاصة من المؤونات العامة عبر الاقتطاع من الأخيرة، وتحويل ما تبقى الى حساب الإيرادات وخضوعه لضريبة الدخل.
وفي مشروع لجنة الرقابة على المصارف إلى المصارف ومفوضي الرقابة تنوي اللجنة اعتماد تعريف للديون المعسرة حين توافر حالين: الأولى، أن يعتبر المصرف أن المدين أصبح غير قادر على وفاء التزاماته تجاه المصرف، حتى وإن لم يلجأ الأخير الى الضغط على العميل باستعمال حقه القانوني في تملّك الضمانات أو الكفالات أو التعهدات المقدمة من المدين عند فتح الاعتماد، أو تصفيتها أو تنفيذها. والثانية، أن يتأخر المدين فترة تزيد على 90 يوماً، عن سداد التزاماته المتوجبة تجاه المصرف. أما الحسابات الجارية (over drafts)، فتعتبر معسرة لمجرد مرور 90 يوماً على تجاوز المدين سقف التسهيلات الممنوحة له، والمحددة في عقد فتح الحساب المدين، والمجددة و الموثقة وفقاً للأصول. وأما الحسابات الدائنة التي تتحول صدفة مدينة، فتعتبر معسرة لمجرد مرور 90 يوماً على سداد العميل المبالغ المستحقة.
وفي اعتقاد مصادر مصرفية، أن أي إجراءات احترازية لسلامة الوضع المصرفي، باتت مطلوبة، في هذه المرحلة بما في ذلك المؤونات العامة، وما يماثلها، وخصوصاً أنها تدخل في رأسمال المصرف الأساسي، الى حين تشكل المخاطر على الديون. فإذا ابتعدت محافظ التسليفات والقروض عن المخاطر، تكون المؤونات قد زادت من مستوى الأموال الخاصة، وكفاية رأس المال. وهذه ضرورية لتطوير المنشأة المصرفية من ناحية، وللبقاء في المنطقة الآمنة من ناحية ثانية.
يشار الى ان معايير تحديد المخاطر المصرفية، وبالتالي المؤونات والاحتياطات المحمولة عليها، شهدت تطورات كثيرة دولياً في السنوات الأخيرة. فقد تكون المخاطر متأتية من عوامل غير مادية، أو غير منظورة، مثل مخاطر التمركز في التسليفات، بصرف الاعتبار عن وضع العميل، أو مخاطر خسارة أسواق صادرات، لأسباب اقتصادية أو أمنية أو سياسية خارجية، أو مخاطر تتعلق بالعوامل الطبيعية والمناخ، كأن تتحول محافظ تسليف القطاع الزراعي الى رديئة، أو مشكوك في تحصيلها، في حال ضرب الموسم الزراعي. هناك مخاطر عقود الائتمان، وذات سمة قانونية قد تترتب على المصرف سهواً أو عمداً، فضلاً عما يسمى “مخاطر السمعة المالية” التي قد تصيب العملاء.
وفي المبدأ، أي تجاوز تسليف على 20 في المئة من الأموال الخاصة في لبنان، يضرب بضعفين ويضاف الى الموجودات المثقلة بالمخاطر. لا يلحظ اتفاق بازل ــ 2 كل أنواع المخاطر الإضافية التي سبق ذكرها. من هنا أهمية أي إجراءات احترازية لسلامة محافظ التسليفات.