آخر بدع التجار، اليوم، هي ابتكار «أساليب» جديدة لـ«تحسين» ظروف الاستفادة من الدعم، من خلال تخزين السلع المدعومة، وتفريغها من الأكياس الممهورة بملصق وزارة الاقتصاد و«إعادة توضيبها» وتعبئتها في أكياسٍ جديدة، فكان أن فرّخت «ماركات» جديدة في السوق. لائحة طويلة من الأسماء غزت المحال التجارية مجدداً، بأسعارٍ جديدة أقرب إلى السوق السوداء، فيما المدعوم طار مع مهبّ الريح.في الآونة الأخيرة، باتت مشاهد المداهمات لمستودعات تحوي مواد غذائية مألوفة، وتحديداً منذ أن بدأت «سيرة» الدعم «التي زادت من أزمتي الاحتكار والتخزين»، على ما يقول رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو. اليوم، لا مواد مدعومة في السوق، إلا بكميات وأصناف معدودة. بات بالإمكان قول ذلك، في ظل ما يقوم به بعض «تجار الأزمات»، بحسب المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد بو حيدر، لافتاً الى عشرات المداهمات التي قامت بها الوزارة بمؤازرة القوى الأمنية والبلديات، وأدت إلى اتخاذ النيابة العامة المالية قرارات فورية بـ«إقفال المستودعات المخالفة بالشمع الأحمر». وهو ما يعتبره بو حيدر «بارقة أمل». لكن، يبقى ألا تقف تلك البارقة عند حدود الإقفال، إذ يفترض أن تقع أفعال ما يرتكبه هؤلاء ضمن إطار الجرائم المالية التي تستوجب العقاب. وهذا واجب القضاء المطلوب منه «أن يلاقينا في منتصف الطريق».
يعيد ذلك الى الواجهة الحديث عن جدوى الدعم. مع مرور نحو عام، يبدو «أهل البيت» مقتنعين، ولو بعد فوات الأوان، بأن آلية الدعم «لم تحقق الآمال التي كانت معقودة عليها»، على ما يقول بو حيدر. لذلك، بات الاقتناع اليوم بضرورة إعادة صياغة وجهة الدعم من تجار الأزمات إلى المواطنين المستحقين. وعندما تتعدّل الوجهة، «يمكن استعادة السوق من التجار وفتح السوق على المنافسة، ما يؤدي تالياً إلى تنوع البضائع والأسعار»، يقول برو.
وإلى حين يصبح الاقتناع واقعاً، يبقى الأمر مرهوناً للتجار الذين يتحكمون بكمية المواد الموجودة في السوق وبأسعارها. ولهذا السبب، والأسباب السابقة من فشل آلية الدعم والتخزين، لا استقرار في المواد الاستهلاكية الموجودة في السوق، لا كمية ولا أسعاراً. فما هو موجود اليوم، سيكون مفقوداً غداً والعكس صحيح، وكذلك الحال بالنسبة إلى السعر الذي يختلف بين يومٍ وآخر وبين مؤسسة وأخرى وبين صنفٍ وآخر. وغالباً، ما يكون الاختلاف صعوداً، إذ إن سعر المنتج لا يعدّل نزولاً، ولو انخفضت تكاليفه.
وفي آخر المؤشرات حول أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية الأساسية، أوردت جمعية حماية المستهلك تقرير الفصل الأخير من العام الماضي، مقارنة بالفصل الثالث منه. ما هو ثابت في تلك الإحصاءات هو الارتفاع في الأسعار، فلا وجود لسلعة سعرها مستقر. من الخضر إلى الفاكهة إلى اللحوم البيضاء والحمراء إلى المواد الغذائية والمنزلية. وتأتي الخضروات على رأس لائحة الأسعار التي لامس ارتفاع أسعارها الـ 43,2%، ومن بعدها اللحوم الحمراء بنسبة 27,8%، والألبان والأجبان بنسبة 17,7%، والمواد المنزلية بنسبة 21,16%، والفواكه بنسبة 7% والمعلبات والزيوت بنسبة 5,1%.
ارتفاع أسعار الخضروات 43,2% في الربع الأخير من 2020


فعلى سبيل المثال، لم يعد مستغرباً مثلاً أن يصل سعر كيلو الجبن الفرنسي إلى 150 ألف ليرة أو سعر كيلو البندورة أو التفاح في الجملة إلى ثمانية آلاف ليرة. حتى الليمون الذي يعدّ فصل الشتاء موسمه، لم ينخفض سعره عن الأربعة آلاف ليرة في الجملة أيضاً. أما في المفرق، فحدّث ولا حرج، فلكل محل أو «بسطة» سعر خاص بها. وبحسب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين، أنطوان الحويك يعود هذا الأمر إلى تسعير المستلزمات الزراعية بالدولار، وتأخر الشحنات من الخارج نتيجة آليّة مصرف لبنان، فكان من تبعات هذا الأمر «نصف مواسم». وللحوم الحمراء «حكايتها» أيضاً. إذ تُعزى تقلبات سعرها أيضاً الى عوامل عدة، منها تأخر المعاملات في مصرف لبنان، أضف إلى ذلك «أن المورّد لم يعد يعطينا ما نريده حتى نسدّد قيمة الفاتورة السابقة، وهو ما لا نستطيع الالتزام به»، على ما يقول عبد الغني الملاح، رئيس نقابة تجار اللحوم في لبنان، فضلاً عن فرض وزارة الزراعة إجازات استيراد بسبب ترشيد الدعم إلى حدود 20 مليون دولار، وهكذا «صارت الإجازات محددة»، يتابع الملاح. وبسبب ذلك، تختلف أسعار اللحوم من ملحمة إلى أخرى. ولئن كانت وزارة الاقتصاد، قد حددت سعر كيلو اللحم البقري بما بين 35 و39 ألفاً، ولحم الغنم بين 45 ألفاً (غنم أبو دنب الأوسترالي أو الروماني) و55 ألفاً للبلدي، إلا أن هذا السعر لا يطبق إلا على «الكيلو العادي»، أي الذي لا تلحقه منتجات أخرى (بهارات وأكياس نايلون والكعك المطحون) أو تنظيف. فعندها، حكماً سيصبح السعر سعراً آخر. هكذا مثلاً، كيلو لحم البقر يبدأ من 35 ألفاً ويصل إلى نحو 80 ألفاً (اللحمة الفتيلة الهبرة) وكذلك الحال بالنسبة إلى لحم الغنم الذي يصل الى 100 ألف ليرة. والأمر نفسه ينطبق على منتجات الألبان والأجبان والمواد الغذائية. لكن، هل يبرر ذلك ما آلت إليه الأسعار اليوم؟ وإلى متى ستبقى تلك الأسباب الشماعة التي يكوى بسببها المواطنون بالأسعار الفالتة؟



الحكومة ترمي كرة الدعم على مجلس النواب
أجرت اللجنة الحكومية المكلفة بمناقشة بطاقات الدعم لنحو ٦٠٠ ألف أسرة بعض التعديلات على السيناريو الذي ناقشته الثلاثاء الماضي. ففيما كانت قيمة دعم البنزين تقتصر على ١٥٠ مليون دولار، على أن يتم رفع الدعم بعد استنفاد هذا المبلغ والاستعاضة عنه بالدعم الموفر عبر بطاقة الدعم، تم رفع قيمة الدعم الى ٣١٥ مليون دولار. كذلك بالنسبة إلى دعم المازوت الذي ارتفع من ٣٥٠ مليون دولار الى ٤٥٠ مليوناً، فيما انخفض المبلغ المخصص للغاز من ٥٠ مليون دولار الى ٣٠ مليوناً.
من جهة أخرى، جرى تحديد قيمة البطاقة التمويلية للعائلة الواحدة المؤلفة من ٥ أشخاص بنحو مليون و٣٠٠ ألف ليرة شهرياً في السيناريو السابق، لترسو بعد التعديل على نحو ٤٥٠ ألف ليرة لكل شخص من أصل اثنين يفترض أن يكونا ما فوق الـ٢٣ عاماً، و٢٢٥ ألف ليرة لكل فرد من الأفراد الثلاثة ما دون الـ٢٣ عاماً، أي ما يعادل مليوناً و٤٦١ الف ليرة بعد تدوير الارقام وبما يعادل بالدولار ٤٦ دولاراً لمن هم فوق عمر الـ٢٣ عاماً و٢٣ دولاراً لمن هم ما دون هذه الفئة وعلى أساس سعر صرف للدولار يبلغ ٩ آلاف ليرة كما جاء في النسخة المنقحة. غير أن اللافت في ما توصلت اليه الحكومة هو تراجعها عن إرسال هذا السيناريو كمشروع قانون الى مجلس النواب، وإجماعها على انتظار اللجان النيابية لدعوتها الى الاجتماع لاستصراحها بشأن الموضوع. وذلك يؤكد مرة أخرى رمي كرة البطاقات في ملعب البرلمان بنحو كلي، وعدم رغبة هذه الحكومة في تحمل أي مسؤولية تجاه المواطنين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا