بحجّة «الوقت» الذي يستغرقه مسار تصحيح الأجور، من تحديد الحدّ الأدنى، ودراسة الزيادات اللازمة للرواتب كي تتناسب مع الواقع الاقتصادي المأزوم، وبذريعة «غياب الأرقام الدقيقة والدراسات الموضوعية والعلمية»، قرّرت لجنة المؤشر التي يفترض أنها متخصّصة في «الدراسات العلمية» وأن الأرقام «لُعبتها»، تأجيل النقاش المرتبط بهذا المسار، والتركيز على إقرار الزيادات اللازمة «للطوارئ الاقتصادية».جاءت هذه النتيجة في ختام اجتماع لجنة المؤشّر التي انعقدت أمس بعد غياب خمس سنوات. المشهد في ختام الاجتماع، بدا على النحو الآتي: توافق ممثلو أصحاب العمل مع ممثلي العمال على رفع قيمة المنح المدرسية إلى مليوني ليرة في المدارس الرسمية كحدّ أقصى، وإلى أربعة ملايين ليرة كحدّ أقصى في المدارس الخاصة مهما كان عدد الأولاد. طبعاً، الحديث هنا يشمل العاملين في القطاع الخاص، «لأن الزيادات الخاصة بالعاملين في القطاع العام قائمة وفق نسب لم يتم التوافق عليها بعد».
وإلى ذلك، ثمة بندان أشار إليهما بيرم بعد الاجتماع؛ بدل النقل اليومي وما سمّاه «المبلغ المرتبط بمواجهة الطوارئ الاقتصادية»، أو الزيادة الثابتة على المعاش التي يمكن أن يعتبرها أصحاب العمل «مكرمة». لكن بيرم لم يعلن صراحة لا عن قيمة بدل النقل اليومي ولا عن قيمة الزيادة، بل أشار إلى اتفاق على اعتماد بدل النقل اليومي في القطاع الخاص بشكل موحّد مع القطاع العام «وفق ما ستقرره الحكومة اللبنانية»، فيما أعلن إرجاء الاتفاق على قيمة الزيادة الثابتة على الأجر إلى الجلسة المُقبلة التي حُدّدت الأربعاء المُقبل، على أن تكون «الجلسات دورية وبشكل متواصل لمواكبة التطورات الاقتصادية والمعيشية».
غير أن مصادر اللجنة كشفت لـ«الأخبار» أن بدل النقل اليومي تم تحديده بـ65 ألف ليرة، وأنه كان هناك اتفاق على أن تكون الزيادة الثابتة بقيمة مليون و325 ألف ليرة، «لكن الخلاف وقع بشأن إذا كانت الزيادة ستكون مخصّصة حصراً للعاملين الذين يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور أم ستكون مخصّصة لجميع العاملين الذين يتقاضون رواتب تقل عن 4 ملايين ليرة».
«استكثرت» الهيئات الاقتصادية زيادة 65 دولاراً على رواتب فقدت نحو 93 في المئة من قيمتها


ووفق المصادر نفسها، فإن ممثل الهيئات الاقتصادية محمد شقير اعترض على «تعميم» الزيادة على جميع العاملين، «وعليه تم تأجيل البتّ في إقرار الزيادة».
إذاً، «استكثرت» هيئات أصحاب العمل زيادة ما يُقارب 65 دولاراً على معاشات آلاف العمال الذين تبخرّ نحو 93 في المئة من رواتبهم بفعل تدهور قيمة الليرة. وهذا «السلوك»، على وقاحته، ليس مستغرباً. فهو يأتي من شقير نفسه الذي يمثّل مصالح رأس المال المتحالف مع قوى السلطة، كما أنه يأتي في ظل غياب أي تمثيل حقيقي وصادق لحقوق العمال من قبل اللجنة التي تضمّ رئيس الاتحاد العمالي العام بشار الأسمر - «نصيراً» للعمال، وسط «تجمّع» كل من رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس ونائب رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت نبيل فهد وغيرهم. هكذا، يبدو مفهوماً أكثر سبب «قمع» محاولة الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين عرض الأرقام والإحصائيات للتوصل إلى إمكانية تحديد زيادة منصفة وسط تضخّم وصلت نسبته إلى 250 في المئة، فيما بلغت نسبة ارتفاع الأسعار 677 في المئة، «إذ قيل له إن إمكانية تحديد الزيادات المطلوبة في هذا الوقت ضرب من الخيال».
قبل يومين، قال بيرم لموقع «العهد» أنه سيتم رفع الحد الأدنى للأجور «بناءً على حوارات ودراسات وأرقام أنجزت بشكل دقيق وعلمي بعيداً من التسرّع والشعبوية»، لافتاً إلى أن العائق الأساسي الذي يحول دون اعتماد حد أدنى للأجور هو «عدم وجود سعر موحد لسعر صرف الدولار»، لكن هل تجنّب الشعبوية وربط تصحيح الأجور بتعدّد سعر الصرف هو الذي دفع نحو نسف النقاش؟