بين برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً، وبين البطاقة التمويلية، وما يرافقهما من فوضى وسوء إدارة وتوزيع، تُظلم عائلات كثيرة. تُقدَّم المساعدات الاجتماعية لعائلات ميسورة، وتُحجب عن عائلات ترزح تحت خط الفقر، أو تضمّ أشخاصاً معوقين. المسؤولون عن هذه البرامج يعترفون بـ«الهفوات» التي تُرتكب، ويتأسفون أن البرنامجَيْن لم يلبّيا حاجة الجميع.
(مروان بوحيدر)


البطاقة التمويلية
يشكو أبناء راشيا والبقاع الغربي توزيعاً غير عادل للبطاقة التمويلية. برأيهم، استفاد منها الميسورون، وحُرم منها الفقراء. وقد علت أخيراً صرخة الأشخاص الذين استجدّت لديهم إعاقة دائمة جرّاء إصابتهم بالألغام والقنابل العنقودية من مخلّفات الاحتلال الإسرائيلي. يقول رئيس جمعية «الرؤيا للتنمية والتأهيل والرّعاية» ناصر أبو لطيف لـ«الأخبار» أنّ «هناك ثلاث عائلات فقط حصلت على مساعدة اجتماعية من أصل 170 عائلة في البقاع الغربي وراشيا تضمّ فرداً معوّقاً جرّاء الألغام»، علماً أن غالبيتهم فقراء، فهم في الأصل مزارعون ومعيلون أساسيّون للعائلة، واليوم رغم معاناتهم من صعوبات حياتية نتيجة إعاقاتهم، يُحرَمون من أي تقديمات اجتماعية. ضحايا الألغام نظموا قبل أكثر من أسبوع تحرّكاً لإثارة قضيتهم، وحاولوا عبر الجمعية الحصول على موعد للقاء وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، من دون جدوى، «تلقينا فقط وعوداً بالكشف ثانية عن أحوال العائلات». وناشد أبو لطيف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والوزير حجار «إنصافهم وإعطاءهم حقوقهم المهدورة، لا سيما البطاقة التمويلية».

الظلم عام
لا ينحصر الظلم الذي طاول العائلات اللبنانية، لجهة الاستفادة من التقديمات الاجتماعية، عند حدود راشيا والبقاع الغربي. ففي لبنان ما بين الـ2500 والـ3000 شخص معوّق نتيجة الإصابة بالألغام، يقاسي بعضهم الظلم نفسه. يُضاف إليهم شريحة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة الذين أصيبوا في انفجار الرابع من آب، فـ«الجزء الأكبر منهم لم يحصل على أي مساعدة اجتماعية»، كما تؤكد رئيسة الاتحاد اللّبناني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس، التي تصلها اتصالاتهم وشكواهم: «لماذا لم نحصل بعد على البطاقة التمويلية»؟ من دون أن تملك إجابة لهم. تشبّه ما يحصل بـ«الفوضى التي رافقت المساعدات الاجتماعية التي وزّعها الجيش اللبناني، والمتمثلة بمنح العائلات اللبنانية المحتاجة مبلغ 400 ألف، إذ حصلت عائلات عليها أكثر من مرة في الشهر، وحُرمت أخرى منها». وإلى جانب البطاقة التمويلية، تذكّر اللقيس بـ«الكوارث الصحية» التي تحصل بحق الأشخاص المعوقين. فـ«الجهات الضامنة لا تغطي تكاليف علاجهم بالكامل، وهناك الكثير منهم يعجزون عن إجراء عمليات جراحية لأنهم لا يملكون ثمنها». هذا عدا عن عائلات فقيرة ترزح تحت خط الفقر لا تزال تنتظر البطاقة التمويلية أو أي برنامج آخر «يغيثها».



الشؤون: لماذا تُحجب المساعدات؟
يميّز المدير العام السابق لوزارة الشؤون الاجتماعية عبد الله أحمد بين برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً وبين البطاقة التمويلية. انتهت مهلة التقديم عبر مراكز الخدمات الإنمائية إلى البرنامج الأول قبل بداية عام 2020. هناك سببان لعدم استفادة البعض منه، الأول عدم الاستدلال على عناوين العائلات التي سجّلت. فـ«من بين 130 ألف أسرة تقدّمت بالطلب، زرنا 120 ألفاً وبقيت 18 ألف أسرة لم نستدلّ على عنوانها»، لذا يدعو أحمد هذه العائلات إلى مراجعة وزارة الشؤون. أما من تلقى زيارة ولم يحصل على المساعدة الاجتماعية «فهذا يعني أن البيانات التي ملأها في الاستمارة لم تحصل على مواصفات الأسر الأكثر فقراً عند التقييم».
حصلت بعض العائلات على مبلغ 400 ألف أكثر من مرة في الشهر وحُرمت أخرى منها


أما البطاقة التمويلية، فانتهى التسجيل للحصول عليها عبر المنصة. يبدأ أحمد حديثه عنها بالقول: «لا علاقة لوزارة الشؤون الاجتماعية كإدارة بها، بل مجلس الوزراء»، كنوع من تبرئة الوزارة من الهفوات في إدارتها. ويشرح: «من أصل 580 ألف عائلة سجّلت، تقرّر زيارة 200 ألف منها، وبعدها منح البطاقة التمويلية لـ75 ألف عائلة». نتيجة المراجعات الكثيرة التي «تصلنا حولها، يجب إعادة فتح باب التقديم لأن التمويل يمكنه أن يغطي 150 ألف عائلة بدلاً من 75 ألفاً، كما يجب زيارة 600 ألف عائلة وليس 200 ألف فقط»، كما يقترح.



عبد الرحمن بشنّاتي: رحل ولم يوثق تعاسته
قبل ستة أشهر، نشرت «الأخبار» تقريراً عن عبد الرحمن بشنّاتي، جريح انفجار مرفأ بيروت. في الرابع من آب عام 2020، كان عبد الرحمن في مركز الدفاع المدني في الباشورة يستعدّ لإنقاذ المتضرّرين من الحريق الذي اندلع. وقع الانفجار، فأُصيب في رجله اليسرى التي بُترت بعد فشل الأطباء في إنقاذها.
أراد عبد الرحمن لقاء مصوّر لتوثيق «تعاسته». ذكر وقتها أن الطبيب أخبره أنه يحتاج إلى عملية قلب مفتوح، لا يملك من كلفتها ليرة واحدة. تقول شقيقته وفاء: «تأخرنا في جمع المبلغ من المتبرّعين والجمعيات، فتطوّرت حالته الصحية وتعذّر تنفيذ العملية». توفي عبد الرحمن قبل نحو شهر تاركاً ثلاث بنات أكبرهن في الثانية عشرة من عمرها. استصعب تركهن في دار للأيتام قبل وفاته لعدم قدرته على تحمل مصاريفهن، فـ«هنّ لسن يتيمات»، قال حينها، لكنهنّ اليوم بتن كذلك فعلاً.