ديما شريف في بداية الثمانينيات، كانت البنيوية، كما طوّرها كلود ليفي ــــ ستروس، قد تلاشت كي يحلّ مكانها ما عُرف بـ«ما بعد البنيوية» (post-structuralisme) بجهد من مفكرين فرنسيين أمثال ميشال فوكو، ورولان بارت، وجاك دريدا. ثلاثة كانوا من «أتباع» ستروس قبل عقد من الزمن.
رفض هؤلاء مسألة الأفكار المطلقة، وجادلوا بأنّ التاريخ والخبرة أهم بكثير من القوانين العالمية في تكوين الوعي البشري ونحته. لم يعجب هذا الانقلاب ليفي ـــــ ستروس الذي قال يومها إنّ «المجتمع الفرنسي، وتحديداً الباريسي، نهم جداً». وأضاف أنّه «كلّ خمس سنوات، يشعر هذا المجتمع بالحاجة الماسة إلى وضع شيء جديد في فمه. منذ خمس سنوات، كانت البنيوية، واليوم صار شيء آخر. لا أجرؤ على استخدام كلمة بنيوية، لأنّها تشوّهت كثيراً. أنا بالتأكيد لستُ والد البنيوية». انتفض صاحب «الأنثروبولوجيا البنيوية» على الفلاسفة الجدد (آنذاك) الذين شوّهوا طفلته حتى لم يعد يتعرف إليها.
أتى ستروس بالتحليل البنيوي من معلّمه، الألسني فرديناند دو سوسور الذي استخدم هذا الأسلوب في مجال الألسنيات للتركيز على البنى التي تؤلفها الكلمة أكثر من معنى هذه الكلمة. كانت الأنثروبولوجيا آنذاك تَدرس تقليدياً العائلة التي تتكوّن في المرحلة الأولى من الأب والأم والأولاد، وفي مرحلة ثانوية من الأقرباء كالعمّ والخال وأولادهم والأجداد. وانطلاقاً من «القيمة الألسنية» عند سوسور، دافع ستروس عن فكرة أنّ العائلات لا يصبح لها هوية محددة إلا عبر العلاقات التي تجمعها ببعضها. هكذا قلب النظرة السائدة في الأنثروبولوجيا، ليركّز تحليله على العلاقات بين «الوحدات» (العائلة) عوضاً عن العلاقات داخل هذه الوحدات. لقد استطاع أن يسهم في بلورة النظريات التي تتناول عمل العقل البشري. برأيه، ينتقل الإنسان من الطبيعة إلى الحضارة، بعد أن يستخدم اللغة ويتعلم كيف يطبخ طعامه. ولا يعود الإنسان مع ستروس ساكناً مميزاً للكون كما يدّعي آخرون، بل يصبح مخلوقاً عابراً لهذا الكون، سيترك بعد رحيله وانقراضه بضعة آثار تدلّ على وجوده. كان ستروس يقول إنّ الهدف من وراء البنيوية أنّه يمكن معرفة كيف تتصل الأشياء بعضها ببعض حتى لو كانت مجهولة لنا أو لا نعرفها.
بنيوية ستروس ستعيش ربما أكثر من طفلتها الهجينة، ما بعد البنيوية، كما بقي هو على قيد الحياة فترةً طويلةً متخطياً كل مَن جايله. وستبقى أجزاء مؤلفه الضخم Mythologiques لتضمن خلوده مبتكراً للأساطير ومفسِّراً لها