strong> بشير مفتي
لا يزال الروائي بوعلام صنصال، الذي يكتب بالفرنسية، يثير زوابع لا تنتهي في الجزائر، منذ صدور روايته الأولى «قسم البرابرة» (1999) التي تُرجمت أخيراً إلى العربية عن «منشورات الاختلاف» و«الدار العربية للعلوم» (ترجمة محمد ساري).
ما إن صدرت الرواية ونجحت إعلاميّاً وجماهيريّاً في فرنسا، حتى بدأ السجال على صفحات الجرائد الجزائرية التي اتّهمت الكاتب بأنّه تهجّم على الثورة الجزائرية وقدّم مديحاً مجانيّاً للأقدام السوداء، أي المعمّرين في الحقبة الكولونياليّة الذين اضطروا إلى مغادرة البلد عقب استقلال الجزائر عام 1962. كما رأت أنّ صنصال تغزّل في روايته بمآثر الاستعمار، فيما انتقد السلوك الجزائري، من الاستقلال حتى اليوم، محمّلاً السلطة السياسية مسؤوليات الانهيار والفشل وتنامي الأصولية. إلا أن هناك مَن دافع عن روايته كالروائي رشيد بوجدرة الذي تحفّظ على المضامين، لكنّه أثنى على الشكل الروائي لـ«قسم البرابرة». فيما اعتبر الباحث محمد داود أنّه ينبغي تجاوز مسألة أنّ مَن يكتب بالفرنسية وينتقد الانحرافات التاريخية يُعدّ خائناً. وأكّد أن بعض الأعمال كتبت بالعربية لكنّها تندرج في المشروع الاستعماري الكبير، (ملمّحاً ربما إلى «كتاب الأمير» للروائي واسيني الأعرج التي أثارت نقاشاً سياسياً أثناء صدورها في الجزائر).
مشكلة صنصال أنّه لا يتوارى خلف لغة منمّقة عندما يتعلّق الأمر بانتقاداته الحادة للوضع الجزائري، ما يجعلنا نحار عندما تتطابق مواقفه مع مواقف بعض الجهات في فرنسا التي تعتقد بأنّ سبب تخلّف الجزائر يرتبط بخروج فرنسا منها. وما يؤخذ أيضاً عليه أنّه كان مسؤولاً سامياً في جهاز الدولة الجزائري، وبالتالي يتساءل بعضهم ماذا فعل هو كي لا تسقط الجزائر في ذلك الوحل المخيف؟
منذ سنتين، أصدر صنصال «البريد المتبقى»، وهو عبارة عن رسالة طويلة شرح فيها رؤيته للثوابت الوطنية الجزائرية. رأى أنّ فكرة «الدين الواحد واللغة الواحدة والوطن الواحد» هي التي قادتنا إلى الزعيم الواحد، مضيفاً أنّ التاريخ يُظهر أنّ الجزائريين عرفوا ديانات كثيرة وأنّ العربية ليست هي اللغة الوحيدة في الجزائر. ورأى أنّ خلاص الجزائر يكون بالحرص على ذلك التنوّع الثقافي. طبعاً تعرّضت هذه الأفكار لهجومات كثيرة.
وعندما تقدمت «منشورات سيديا» في الجزائر بسلسلة من الكتب لتدعيم ترجمتها إلى العربية ضمن احتفالية «الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007»، ما كان من وزيرة الثقافة خليدة تومي إلا أن تدخّلت شخصيّاً لرفض بعض الكتب، على رأسها رواية «حراقة» لصنصال، وهذا كان كافياً لإعادته إلى الواجهة ككاتب مغضوب عليه من الجهات الرسميّة. أما آخر هجوم على صنصال فكان بسبب حوار أجراه أخيراً مع مجلة «نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية. يومها، نشرت جريدة «البلاد»، ذات التوجّه الإسلامي، على صفحتها الأولى، عنواناً كبيراً «بوعلام صنصال يمجّد المحرقة اليهودية» وراحت تكيل له التهمة تلو الأخرى.
هل أصبح هناك شك اليوم بأنّ صنصال صار الرقم واحد في قائمة المتّهمين بالتشويش على كل ما هو أصالة وطنية وقيم خالدة لا يجب أن ينالها النقد؟ ما العمل؟ هل المطلوب الحَجْر عليه كي لا يتكلم، أم التعامل معه كمبدع؟ بتعبير موجز، ماذا نريد؟ قطع رأسه ولسانه؟ كما تفعل بعض الجهات التي لا تريد مناقشة الفكرة بالفكرة، بل الفكرة بالسيف.