طهران | «سانديز»، «كاسبين»، «ثامن الحجج»... وغيرها، كلها أسماء لشركات ومشاريع إيرانية استبشرت بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، وأطلقت على أساسه وعودها بأرباح سريعة، مُشجّعة المواطنين، خصوصاً في شمال شرق البلاد، على الاستثمار فيها. لكن ما حدث لم يكن في الحسبان؛ إذ لم يتمكن أصحاب تلك الشركات والمشاريع من الإيفاء بوعودهم، فيما لم يتمكن المستثمرون من استرداد أموالهم.
مذ ذاك، تتصاعد المطالب، في مدينتي مشهد ونيشابور خصوصاً، بتسوية حكومية تعيد إلى المواطنين حقوقهم، من دون أن تلقى آذاناً صاغية، كما يقول المحتجون الذين يؤرّقهم كذلك عدم تمكن حكومة الرئيس حسن روحاني من الإيفاء بوعودها الاقتصادية عموماً، وتقدمها أخيراً بميزانية «مخيّبة» تضمنت رفع أسعار المشتقات النفطية، ما أدى، سريعاً، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
كل تلك المعطيات يرى فيها خبراء اقتصاديون أساساً حقيقياً وجاداً للاحتجاجات التي انطلقت من مدینة مشهد (شمال شرق) يوم الخميس الماضي، وشارك فيها شبان رفعوا مطالب اقتصادیة في مقدمها مكافحة غلاء الأسعار والبطالة. لكن جنوح الاحتجاجات، في اليوم التالي، نحو عناوين مغايرة، واتخاذها طابعاً سياسياً مناوئاً للنظام في طهران وأصفهان وکرمانشاه ورشت وقم وساري وهمدان وقزوین، رسما علامات استفهام وشكّ حولها، سرعان ما تزايدت مع انجراف المتظاهرين إلى أعمال شغب في طهران وكرمانشاه ومدن أخرى، تخللها رفع شعارات معادية للحكومة، وللمرشد الأعلى لـ«الجمهورية الإسلامية»، الأمر الذي عزّز شعوراً سائداً بأن ثمة «مآرب سياسية (من وراء الاحتجاجات) هدفها النيل من الدولة.
اشتد الأمر في اليوم الثالث، وقُتل شخصان على الأقل في مدينة دورود (غرب البلاد)، في تظاهرة ليلية «غير مرخصة»، بحسب نائب محافظ لرستان للشؤون الأمنية والسياسية، حبيب الله خجسته بور، الذي نفى، الأحد، تورّط قوات الأمن في الحادثة، قائلاً إن «بصمات العناصر التكفيرية التي اندست وسط المتظاهرين، وأيضاً عناصر الاستخبارات الأجنبية، ممكنة رؤيتها».

تشير المصادر غير الرسمية إلى مقتل أكثر من 30 شخصاً
في 5 أيام

في غضون ذلك، استمرت نداءات التظاهر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً تطبيق «تلغرام»، حيث دعت إحدى القنوات المناهضة لـ«الجمهورية الإسلامية» المتظاهرين إلى مواجهة مسلحة بقنابل يدوية، مُسدِيةً مجموعة من التعليمات والنصائح في كيفية صنع القنبلة، أو كيفية مواجهة القوات المناهضة للشغب، ما دفع وزير الاتصالات، محمد جواد آذري جهرمي، إلى مراسلة مؤسس «تلغرام» ــ عبر موقع «تويتر» ــ والطلب منه إغلاق القناة نهائياً بسبب تحريضها على العنف ضد الشرطة والحكومة، ليردّ بافل دروف على الوزير مغرّداً بأن «أي دعوة للعنف عبر تلغرام محظورة». بعد ذلك بساعة، أُغلقَت القناة نهائياً، لكنها ما لبثت أن عاودت عملها التحريضي عبر قناة جديدة لا تزال مفتوحة إلى اليوم. وبناءً عليه، عمدت الحكومة الإيرانية إلى تقييد الوصول إلى تطبيقي «تلغرام» و«إينستاغرام» عبر الهواتف النقالة، مؤقتاً.
ليل السبت ــ الأحد، شهدت طهران تصاعداً ملحوظاً في وتيرة العنف، في تظاهرة ليلية حطّم خلالها عدد من الشبان محطة للحافلات في شارع الثورة، قرب ساحة فردوسي، وسط العاصمة. كذلك، عمد هؤلاء إلى إحراق عدد من السيارات، ومهاجمة الممتلكات العامة مثل المصارف. وفي اليوم الرابع، أي الأحد، خرقت الحكومة صمتها بعد إطلاقها تصريحاتها خجولة هنا وهناك، إذ شدد وزير الداخلية، عبد الرضا رحماني فضلي، على أن «من حق المواطنين المطالبة بحقوقهم، إلا أن الذين يريدون مصادرة حق المواطنين عبر الفوضى واللاقانون والرعب والعنف وإلحاق الأضرار بالأموال العامة والمواطنين وتشويه صورة مواطنينا الملتزمين القانون والنظام على الساحة الدولية، فمن المؤكد أننا لن نتحمل مثل هذه القضايا».
مساء الأحد، استمرت التظاهرات في مدن عدة إلى جانب العاصمة طهران، فيما بلغ العنف ذروته في كل من دورود (محافظة لرستان ــ غرب) وإيزه (محافظة خوزستان ــ جنوب غرب) وتويسركان (محافظة همدان ــ غرب) وشاهين شهر (محافظة أصفهان ــ وسط)، حيث وصل عدد القتلى إلى 12. وقال مصدر أمني، لـ«الأخبار»، إن هجوماً وقع على بعض الدوائر الرسمية، ما أدى إلى احتراقها. وذكر المصدر أن قوات الأمن اعتقلت 40 شخصاً على الأقل في المدينة «وهم ليسوا من أبنائها»، كاشفاً أنهم «دخلوا المدينة قبل أسبوعين من بدء التظاهرات، وجرى ضبط مخابئهم»، مضيفاً أنه «كانت بحوزتهم قنابل مصنّعة يدوياً (كوكتيل مولوتوف) وبعض المتفجرات».
مساء اليوم الخامس شهد انحساراً ملحوظاً في موجة الاحتجاجات، بعدما عجزت الإعلانات الصادرة عن قنوات «تلغرامية» معارِضة عن دفع الجماهير إلى النزول إلى الشوارع والساحات الرئيسة في المدن الكبرى كطهران ومشهد وتبريز على نحو ما حصل في الليالي السابقة، فيما شهدت بعض شوارع طهران تجمع حشود متواضعة. لكن المشهد لم يكن كذلك في المدن الصغرى، حيث سقط تسعة قتلى آخرين خلال مواجهات مع عناصر الشرطة، بحسب التلفزيون الرسمي، ليبلغ عدد القتلى خلال خمسة أيام 21 شخصاً، فيما تشير المصادر غير الرسمية إلى مقتل أكثر من 30 شخصاً. وقالت هذه المصادر إن تظاهرات الليلة السادسة عمّت 38 مدينة وبلدة في محافظات أخرى، وخلّفت 16 قتيلاً على الأقل، كلهم من محافظة أصفهان. كذلك، قُتل أحد عناصر قوات الحرس الثوري، وآخر من قوات التعبئة (باسيج)، في مدينة نجف آباد (غرب المحافظة)، برصاص أحد المتظاهرين الذي كان يحمل سلاح الصيد.
في غضون ذلك، أعلن المدير العام لدائرة السجون للعاصمة، مصطفى مُحبي، أن الذين اعتُقلوا خلال الأيام القليلة الماضية في طهران أقل من 200 شخص، مضيفاً أن «فرقاً تعكف حالياً على غربلة المعتقلين، لفصل الأبرياء عن المجرمين».