كلّف الرئيس العراقي برهم صالح، أمس، محافظ النجف السابق، عدنان الزرفي، بتأليف حكومة جديدة هو اختيار اللحظات الأخيرة الذي لم ينل تأييد جميع القوى العراقية الفاعلة، وأبرزها «تحالف البناء» (ائتلافٌ يضم هادي العامري ونوري المالكي وفالح الفيّاض وخميس الخنجر، وآخرين...)، التي علّلت رفضها الزرفي بأسباب عديدة، يُمكن اعتبار أبرزها انحيازه السياسي إلى معسكر واشنطن منذ الـ2004، والاشتباه في تورطه في حرق القنصليّة الإيرانيّة وضريح مؤسّس «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» محمد باقر الحكيم، في النجف. ولكن، من هو الزرفي الذي اختلفت حول تكليفه الأحزاب والتيارات السياسية في بغداد؟
في إحدى وثائق «ويكيليكس» المُسرّبة من برقيات وزارة الخارجية الأميركية والتي تحمل الرقم (09BAGHDAD1506_a)، قدّم الزرفي نفسه خلال اجتماعه مع «ضباط فرق إعادة الإعمار» الأميركيين في 2 حزيران 2009، على أنّه «مرشح الإجماع لنقل النجف إلى ما بعد عصر الاقتتال السياسي». الزرفي، الذي يحمل الجنسية الأميركية ويتحدّث الإنكليزية بطلاقة (كما وُصف في البرقية)، قال إنّ الهدف الأساس الذي سيعمل عليه خلال تولّيه منصبه هو «مكافحة وتفكيك شبكات التجسّس الإيرانية والسورية الموجودة في النجف».
خلال اللقاء تحدّث رئيس الحكومة المُكلّف حديثاً عن تفاصيل اللقاءات التي عقدها مع المرجعية الدينية في النجف، السيد علي السيستاني، ثمّ شكا للأميركيين بكل «صراحة ومنهجية»، عن تجربته المريرة مع المحافظ السابق، أسعد أبو جلال ونائبه عبد الحسين العبطان، قائلاً إنّهما لم يكتفيا بطرد المقرّبين منه، بل اغتالا أيضاً أهمّ حلفائه السياسيين. ولتأكيد سوء العلاقة معهما، كشف الزرفي للأميركيين أنّ «أبو جلال بعد تركه منصبه أخذ مفروشات المكتب والمنزل، ورفض إعادة موكب السيارات». أما عن علاقته بالعبطان، فأخبر بأنّه «في إحدى الجنازات هاجمني ووصفني بعميل للأميركيين، وقال إنّه سيُعيدني إلى أميركا». وبحسب ما ورد في البرقية: «تبسّم الزرفي باحتيال وقال ربّما أنا سأعيده إلى إيران». ولدى سؤاله عن نائبيه الصدريين، محسن شريف رزاق وحسن حمزة الزبيدي، وصفهما الزرفي بأنّهما «نشيطان ويعملان بدون تعب». ووصف شريف بأنّه رجل «معتدل أكثر من كونه صدرياً، لكنّه يخاف لقاء الأميركيين».
وخلال حديثهم عن الوضع الأمني، أبلغ الزرفي الضباط الأميركيين أنّه ينوي إجراء تغييرات أمنية عديدة، وكرّر - بحسب الوثيقة - «أكثر من مرّة أنّ ذلك سيحدث ببطء وبحذر خلال العام المقبل»، مؤكّداً أنّ هاجسه الأساس هو «عمليات وخلايا الاستخبارات السورية والإيرانية في النجف». وأشار إلى أنّه ينوي إنشاء «خلية مخابراتية منفصلة للعمل مع القوات الأميركية في المحافظة»، مُستدركاً بأنّ استخدام أموال المحافظة لإنشاء هذا الجهاز «قد يكون غير قانوني».
ويرد في البرقية أنّه عندما سُئل مباشرة عن تغيير مدير الشرطة، قائد منظمة بدر السابق والمقرّب من عبطان، اللواء عبد الكريم المياحي، أجاب بحزمٍ وبكلمة واحدة «الصبر»، مضيفاً أنّه «لن يكون أول مسؤول يتمّ تغييره، والأمر يحتاج إلى بعض الوقت».
وتذكر الوثيقة أنّ رئيس الحكومة المُكلّف يعتبر «جيش المهدي» و«منظمة بدر» حركتين خارجتين عن القانون، وتعملان نيابة عن إيران وتُهدّدان المحافظة والقوات الأميركية. وقال الزرفي إنّ عبطان «أعطى ثياباً رسمية وشارات وسيارات حكومية لأشخاص لتنفيذ عمليات ضد القوات الأميركية». أضاف «لديّ دلائل عديدة على تورّط إيران في الهجمات، لكنني سأمنع حالياً ملاحقة القوى المسؤولة عن العمليات». في ختام اللقاء، قال الزرفي للضباط الأميركيين «أتمنّى أن أقول لكم إنّ الصدريين في النجف مسالمين، لكن بعضهم يمارس العنف، لاستهداف أمن المحافظة وقواتكم». أما عن الانطباع الذي تركه الزرفي لدى محدّثيه الأميركيين فهو أنّه «صاحب رأس حام، ولديه عدد من العلاقات العدائية في النجف».