تقييم التلامذة عن بعد كان، ولا يزال، من أبرز التحديات التي واجهت المعلمين في المدارس الخاصة والرسمية. بحسب استبيان أجرته أستاذة الكيمياء تسامى حسن صالح، قبل ثلاثة أشهر، أشار 52.5% من أصل 632 معلماً إلى أن التقييم شكّل هاجساً بالنسبة إليهم، ما دفع صالح ومجموعة من الأساتذة إلى إطلاق منصة إلكترونية مجانية باسم «خدمات تربوية»، على موقع «غوغل»، لمساعدة المعلمين في تقييم تلامذة الحلقة الثالثة من التعليم الأساسي (السابع والثامن والتاسع أساسي) عن بعد في مواد الكيمياء والفيزياء وعلوم الحياة. يتشارك الأساتذة نماذج تعليمية بأدوات مختلفة: live worksheet, Microsoft form, google form، ما يتيح انتقاء النماذج المبوّبة وإرسالها مباشرة إلى التلامذة، أو التعديل عليها، أو اختيار جزء منها، ثم نسخه ولصقه. ووضعت المنصة بين أيدي الأساتذة خيارات عدة «تراعي مستوى التلميذ والإمكانات اللوجستية مثل نماذج توفّر الإنترنت». التقييم عن بعد هو هدف المرحلة الأولى من المنصة. طموح صالح أكبر بكثير، وهو «إنشاء مؤسسة تربوية تحاكي أكاديمية خان غير الربحية بنسخة لبنانية» (أنشأها التربوي الهندي سلمان خان عام 2006 وهدفها توفير تعليم عالي الجودة لأيّ كان وفي أيّ مكان، ويوفر موقعها على الإنترنت أكثر من 2200 محاضرة صغيرة عبر «فيديوات» مخزّنة على موقع يوتيوب لتدريس الرياضيات والتاريخ والتمويل والفيزياء وعلم الأحياء وعلم الفلك والاقتصاد). العائق المادي وعائق الوقت يحولان دون ذلك، «فمن جهة الأساتذة يحتاجون إلى مساندة في التقييم خلال فترة قصيرة، ومن جهة أخرى سيرقد المشروع في الأدراج لسنوات إذا اقترحته على الجهات الرسمية التي تحكمها البيروقراطية».العديد من المدارس الخاصة قرّرت تقييم التلامذة حضورياً كمدارس البعثة العلمانية الفرنسية التي «فضّلت أن يحضر التلميذ إلى قاعة الامتحانات ليجري الاختبارات في جميع المواد بخط اليد، بين رفاقه، في وقت محدد، ومن دون غشّ»، بحسب يانا السمراني، المعلمة في الليسيه الفرنسية الكبرى. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مدارس المصطفى التي ستنظم الامتحانات النهائية حضورياً لطلاب الحلقة الثالثة من التعليم الأساسي والمرحلة الثانوية فقط، «لأن أهداف الحلقة الثانية (ثالث ورابع وخامس أساسي) وكفاياتها يمكن تقييمها عن بعد عبر الأسئلة المتعددة الخيارات على منصتنا التعليمية أكثر من الحلقة الثالثة والمرحلة الثانوية، وبذلك نخفّف من حضور التلامذة واختلاطهم»، على ما يقول مدير دائرة الإشراف التربوي في مدارس المصطفى حسين عبد الساتر. أما المدارس الإنجيلية فاختارت، بحسب أمينها العام نبيل القسطا، التقييم المدمج لأن «اعتماد التقييم عن بعد فقط صعب نظراً إلى عدم توافر معايير تحفظ المصداقية». لم تتخلَّ المدارس الإنجيلية عن التقييم عن بعد بهدف «منح التلامذة الشعور بالثقة وبالراحة النفسية». وبعد مقارنة التقييمين، «بدأنا نلمس الثقة نسبياً لكون التلميذ لم يتلقَّ المساعدة من الأهل خلال تقييمه عن بعد». مع ذلك، يؤكد القسطا أنه «لا غنى عن التقييم الحضوري الذي تكون له النسبة الأعلى عند احتساب التحصيل».
المدارس تعي بأنها مقبلة على ضعف في مستويات التلامذة نتيجة التقليص «القسري» للمحتوى


مدارس خاصة أخرى أبلغت أهالي التلامذة في الحلقتين الأولى والثانية أنها لن تجري تقييماً حضورياً أو حتى عن بعد، من دون أن تذكر لهم الأسباب، علماً بأن التقييم الذي كان يحصل خلال السنة الدراسية لم يكن جدياً، باعتبار أن بعض التلامذة المنضبطين شاركوا في الاختبارات «أونلاين»، في حين أن آخرين لم يجتازوا أي اختبار، ولم تُعرف المكتسبات التي حققوها. مصادر الإدارات تقول إن التقييم الحضوري عن بعد كان متعذراً فكان الخيار الترفيع الآلي للجميع، على أن تكون السنة المقبلة هي الفيصل.
تجد أستاذة التقييم في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، سكارليت صرّاف، أن «منظومة التعليم تمر بمرحلة مفصلية لإعادة التفكير في الهدف من التقييم: هل هو قياس التحصيل؟ أم التعلّم؟». الهدف الثاني يرتبط، كما تقول، بتقديم المساعدة لتمكين التلميذ ومساعدته في نقاط ضعفه بعد اختباره، وهذا ما لا يحصل اليوم. لذا تطلب أن يكون همّ الأهالي خلال هذه العودة القصيرة إلى المدارس تركيز المعلومات الأساسية التي أعطيت عبر التعليم عن بعد وليس العلامات. ولا تؤيد صرّاف أسلوب بعض المدارس في التقييم الحضوري حول برنامج تعليمي عن بعد. تشترط للتقييم الصحيح «ضرورة أن تسبقه مراجعة حضورية للأهداف المعطاة خلال فترة التعليم عن بعد وتركيز الكفايات»، مشيرة إلى «أهمية مراعاة الجهد الذي بذله التلميذ خلال فترة التعليم عن بعد وعدم إرهاقه باختبارات حضورية تشمل كل ما أخذه عن بعد».
أهالي التلامذة غير راضين عن عملية التقييم التي تجري هذا العام في كلتا الحالتين، حضورياً أو عن بعد، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية ضاغطة. فالتقييم عن بعد «شكلي ويحكمه الغشّ»، بحسب رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور لمى الطويل. أما التقييم الحضوري «فيشكل عبئاً على الأهالي من جراء الأزمة الاقتصادية التي جرّت وراءها أزمة نقل ومحروقات، ولا يراعي ظروف التلامذة غير المهيئين نفسياً للنزول إلى المدارس». إلى ذلك، أحدث التعليم عن بعد فروقات تعليمية بين تلامذة يملكون المقوّمات اللوجستية ولا سيما البنى التحتية من كهرباء وإنترنت وأجهزة، وآخرين يفتقدونها، «وغياب تكافؤ الفرص سيؤدي إلى تقييم غير عادل».
ورغم أهمية التقييم، تدرك المدارس بأنه «تقييم لما خسره التلميذ»، كما يقول القسطا. فالمدارس تعي بأنها مقبلة على ضعف في مستويات التلامذة نتيجة التقليص «القسري» للمحتوى، «ما يحتاج إلى فترة لتعويض النقص»، كما يقول عبد الساتر. توافق السمراني على أن «الحل يكون بإعادة تمكين التلامذة واسترجاع الكفايات التي فُقدت خلال التعليم عن بعد، خصوصاً تلك التي تترابط المعلومات فيها وتتكامل بين سنة دراسية وأخرى».
المدارس تُنهي العام الدراسي بالتي هي أحسن وتعوّل على العام المقبل لردم الفجوة الحاصلة. مع بلوغ مناعة مجتمعية ضدّ كوفيد ــ 19 تسمح بالتعليم الحضوري الكلّي. في ذلك الوقت «كل المدارس مدعوّة لإجراء تقييم تشخيصي لكل تلميذ في الشهرين الأولين لاستخلاص ما يملكه من مهارات ومعارف وما ينقصه»، بحسب صرّاف.